كان معنا في العسكرية (بين عامي 1978 و1980) زميل اسمه "خليل" اعتقله مناضلو أحد الفروع الأمنية، بتهمة انتمائه إلى تنظيم الإخوان المسلمين، ونقعوه عندهم في قبو مظلم لمدة ستة أشهر، من دون سؤال أو جواب أو تحقيق، ومن دون أن يعرف عنه ذووه شيئاً.. لأن (الشباب) يومئذ كانوا مشغولين، (ومو فاضين يحققوا مع الأفواج الكبيرة من المعتقلين الذين تفرغهم السيارات في بهو الفرع)،.. وحينما بدؤوا التحقيق مع هؤلاء الموقوفين تبين لهم أن خليل (مسيحي)، فتركوه.. (دون أن يعتذروا له، أو لوالدته، بالطبع.. فالاعتذار دليل ضعف، والشباب، ما شاء الله كان، أقوياء جداً
تنتمي صديقتي إلى عائلة حمصية متحرّرة- قبل أن يصبحُ المجتمع مغلقاً في سورية - . كبرنا . تزوجنا . وذهبَ كلّ في حالِ سبيله . لم نلتقِ منذ ذلكَ الحين .
على الرغم من أن طفولتنا لم تكن طفولةٌ بالمعنى الحقيقي . لكنّني أحنّ إليها أحياناً . بحثتُ عن صديقتي من خلالِ معارفنا . عرفتُ أنّها تعيشُ في حمص ، وأنها أصبحتْ محجبة لأنّ ابنها أرادَ ذلك .
صديق من أصدقائنا الحميمين و المتحمسين للتكنولوجيا و الحضارة و التقدم العلمي بكل ميادينه, والذي كان من الأشخاص الأوائل الذين أنشأوا حساباً على الفيس- بوك قال لي منذ أيام إنه لم يعد يكترث, و أن الفيس- بوك لم يعد يعنيه بشيء إلا أنه يفتح بين الحين و الحين ( يشيّك) في صفحات الأصدقاء لكي يعرف مَن مِن أصدقائه و الذين يعرفهم استشهد, و كم منهم اعتقل, و مَن منهم اختفى و لم يعرف مصيره, و من منهم غادر البلاد ليعود آجلاً, و مَن منهم من هاجر و ترك الوطن و لن يعود لا آجلاً و لا عاجلاً ........!!!!!!
لم أحاول في الحقيقة أن أصحّح له معلوماته حول انتماءاتي وميولي، فأنا أرغب بمعلومات (سرية) كهذه تقدّم لي على طبق من ذهب كما تقدم لي هنا، ثم أن أوقظ الدب لينشب أنيابه فيك، بتقديم معلومات مجانية عني، أمر قد يكون دونكيشوتياً مثيراً للإعجاب في الحكايات فحسب.
همس لي فخوراً ذات ليلة إنه أصبح عنصر مخابرات، أو بالأصح عنصر أمن. وانتظر أن أسأله: "أمن شو؟"، لكنني هززت رأسي وحملت أكياسي ومشيت. فما كان منه إلا أن لحقني ليريني هويته الجديدة التي أعطيت له كعنصر أمن
في مؤتمر يوم الجمعة،بل تهدف إلى تكريس إلغاء الحوار باسم الإسلام نفسه،إنها ليست صوت الناس المجتمعين،بل صوت الواعظ الذي يتكلم نيابة عنهم،إنه ليس إحياءً للإسلام بل إحياء لشخصية الواعظ بفصاحته وولعه بالتاريخ.
وقد تركزت الدعوة حتى الان في حجاب المرأة و تحريم الاختلاط، و محاربة المواطن في جسمه و عقله، و حرمانه باسم الشرع من أن يكون مسؤولاً عن شيء بما في ذلك طول لحيته،
الأمان الوحيد الممنوح هو لروح المواطنة والتوحد في إطار مصلحة الوطن.
وعدم الأمان لكل من اختار طريق الالتحاق بالنظام وأن يكون يده الضاربة للثورة وأهلها..
ومن المؤسف مخاطبة الأقليات بلهجة أن تعالوا إلينا فنحن سنحميكم، الأصح تعالوا إلى الثورة والثورة ستحميكم، لأنكم سوريون، ولأننا أولاد سورية.. ولأننا جميعاً الضامن للمستقبل وما سيأتي به.—
هل نستطيع الآن أن نمضيَ قدما نحو زمن ما، مسقطين منه ما مضى من عمرك وعمري كل على حده، لم تشاركني يوما قهوتي الصباحية، ولا سيجارة المساء، غيابك جعلني اكبر بسرعة وأتجاوز أعمار طفولة لا حاجة لي بها دونك، غيابك اوغلني في صمتي، مقننة كل الكلمات التي يسعني قولها، مخبأة كل شيء إلى وصولك، الآن أنت أمامي جسدا وصوتا كاملا، نتعرف كما يتعرف أي عاشقين إلى بعضهما، التقيا في مدينة ما خطأ، بعودتك لم اعد اذهب إلى مقرات الصليب الأحمر لأتوسل أبا.
قبلَ أن يموتَ. قتلَ أمّه. أعدمَ زوجته. حرقَ روما كي يبني قصره ، ويعيد بناء روما بطريقته . قتلَ المسيحيين ، وعذّبهم. التاريخُ يبقى في ذاكرةِ البشر ، ينتقلُ عبر الأجيال ، ومهما زورنا ه. يصحّح نفسه ، لينطق بالحقيقة كأنّها تجري أمامنا.
نيرو ، وبعد أن أوصلته أمّه إلى الحكم. أصبح إمبراطوراً. قتلَ أمه كي لاتصل إلى العرش. ثم أعدمَ زوجته. أحرقَ روما ، وبينما كانت تحترق كان يغني أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.
نزلت صديقتي رهف إلى السوق لتشتري بعض لوازم البيت و حاجاته, ولما انتهت من التسوق اتجهت إلى بائع الحلوى, و لكن زوجها سحبها ونهرها بغضب و اضح أمام الناس و هو يقول لها:
- تريدين أن تشتري حلوى و سورية تموت؟! دماء الشهداء ساخنة يا رهف ..ماذا تفعلين ... لا عتب على الجهلة... لماذا لا تشترين الشوكولا و الكرميلا و تنثرينها بمناسبة العيد ؟!
أعتقد أن سنوات الثمانينيات وأوائل التسعينيات تلحّ على الكثيرين من أبناء مدينتي اللاذقية، كما تلحّ عليّ في الآونة الأخيرة، ربما لأن الكثير مما يحدث اليوم شبيه إلى حدّ بعيد بما حصل في ذلك الوقت: الخوف، الترقب، الحذر.. والشبيحة.
الشبيحة كانوا مرافقين لطفولتي ومراهقتي، ولسوء الحظ كانت المنطقة التي نسكن فيها مليئة ببنايات يتراكم الشبيحة أمام بواباتها ليل نهار. لم أفهم البتة، كما لا أفهم اليوم، ما السبب الكامن وراء كل تلك الغطرسة والكبرياء و"الاستفشار" الذي ينثال منهم،