قبل أن تجيب الطفلة كانت المرأة قد لحقت بها و أمسكت بيدها لتعيدها إلى الطاولة.. قالت المرأة: إنها قريبتنا نازحة من وادي خالد... كاد قلبي يتوقف عن الحياة حين هجمت الطفلة علي و هي تقول :خدوني معكن خالتو..الله يخليكي..والله أنا مو نازحة...أنا مو نازحة..أنا بلدي سورية..و الله أنا بلدي سورية... خالتو الله يخليكي....
صباح كرديّ ينفتح أمامي، لا يختلف كثيراً عن الصباح العربي، إلا بعلاقته بالذاكرة. الصباح الكردي يثير رائحة جدتي، عمتي، قريتي، بنات وأبناء عمومتي، مطبخ عمتي، حواراتنا الشرسة، غضبنا، الدبكة الكردية"الديلانة"، وتفاصيل... خصوصيته تكمن في هذه التفاصيل العاطفية.. أما صباحي العربي، فهو منطقي على الأغلب..لأسباب تتعلق بالتربية، والطريقة التي تلقيت فيها كل من اللغتين، الكردية والعربية... دلشاد حرّك ذاكرتي الكردية.. صباح النوستالجيا الدافئة.. ولسه الأغاني ممكنة، والله!
ما حدث مع الشهيد خالد يشبه ما حدث مع سيدة خمسينية من أسرة أبا زيد في درعا البلد، ففي فترة الاجتياح كانت دبابات ومدرعات الجيش تملأ البلد، وكانت تلك السيدة تخرج لتؤمن احتياجات البيت في الساعات المسموح بها بالتجول: من الساعة 10 وحتى 12 ظهراً، ومن 5 وحتى 6 مساء. وكلما خرجت من أمام الدبابة ترمي السلام على الضابط وعساكره قائلة: "شالوم.."، ثم تعود من أمامهم لترمي التحية من جديد: "شالوم....".
النوافذ المشرعة .. تغري بالرحيل
وماذا لي ... إن كان لسجين أقبية مدن الرماد والجدران والأبنية الإسمنتية الكالحة أسواراً تجثم وراءها غابات السرو والصنوبر والزيزفون ... وزحمة النجوم.
وماذا لي ... إن كان لأضواء القمر موعد منتصف الليل مع العنابر والبيادر الراقصة والمتلهفة لقبلة خاطفة ... ولا تمس شغاف قلبي وقلق روحي.
هنيئاً لِمَنْ يمتلِكُ البيضةُ الأقوَى.!؟. لعلَّها مُقَدِّمةٌ بسيطةٌ ومُيَسَّرَةٌ، لِنفهمَ مُذْ كُنَّا صِغاراً معنَى القُوَّةِ، وتفوُّقَ الأَقْوَى لأَنَّهُ الأفضَلُ. ففِي اللغةِ الفرنسيَّةِ مَثَلٌ يقولُ: "La raison du plus fort est toujours la meilleure.". ومعناهُ: "حُجَّةُ الأَقْوَى هِيَ دائماً الفُضلَى.".!.
نعمْ. مَنْ مِنْكُمْ يمتلِكُ البيضةَ الأَقْوَى!؟
نتهت محاكمتي. لم أعرفْ الحكم كاملاً. تذكرتُ أعمال الإبادة والعنف في البوسنة ، وفي الدول العربية ، ورغم الفظائع الجماعية التي ترتكب. بقيت الاتفاقيات المنصوص عليها حبراً على ورق.
لم أكن أعرف أنّه سيحكم عليّ ثانية بالإعدام.
وثالثة
ولأظهر حسن نيتي اتجاه المسرحية التي عُرضت أمامي دون قطع تذكرة و دون سابق أوان ابتسمت ابتسامة كبيرة و أخرجت بعض السكاكر و قطعة شوكولا و دسستها في يد الصغير الذي لم يأخذها إلا بعد إلحاحي و موافقة والده و قلت للأب و هو يهمُ بالنزول و كأنني فهمت كلّ شيء : الله يخلي لك ياه ..و يفرحك به ..و تابعت : الله يرحم مشعل تمو ٍ..كل سورية حزنت عليه.
في الحياة، كما في السينما، والرواية، لأسباب دراماتيكية، ولضرورت فنية، ولتثبيت المشاهد، القارئ، المخلوق، على أريكة الحياة، يتأخر وصول العدل أحياناً...لكنه يصل. ثمة اتجاهات تجريبية في السينما الغربية ـ حسب خبرتي الصغيرة ـ ينجو القاتل فيها وينتصر.. لكنها اتجاهات تجريبية ضئيلة واستثنائية ولا تُحسب في لوائح الإنجازات الحقيقية.. يعني فذلكات فنية فقط.
إن أجيالاً من المثقفين قد نشأت تحت هيمنة الديكتاتورية، ورغم اختلاف درجات الاستبداد بين بلد وآخر إلا أنه لم يكن ممكناً في أحسن الحالات التخلصُ من ظل الديكتاتورية المهيمن في الحقل الثقافي كما في كل مكان. لقد كان همّ بعض المثقفين اقتناص مساحة من الحرية، ولو عبر المجاز، بدلاً من أن تكون الحرية دافعاً للمغامرة الفكرية أو التجريب. أي أن القمع أفلح إلى حد كبير في دفع الثقافة إلى عتبة متواضعة من الانشغال الثقافي، بل إن ذلك ترك أثراً على الأدوات الثقافية ذاتها
ما زال هناك.. نهراً يغني بيننا.. نهراً من نبيذ عيسى.. هي فوبيا القصائد من يأخذنا من يدنا نحو إدراك الممكن... يختلف هنا نوع الإرتفاع... لكنه يبدو جلياً كفجر خارج عن نفسه نحو المطلق.. اعتادت الكلمات أن تبني بيوتها إلى جانب مقاهي الذاكرة.. هكذا هي تتسكع في الداخل لتطلق صرختها بلحظة انفلات نوعي... لا أحد يستطيع ضبط ثورتها.. فهي حرة وعاشقة للحياة أكثر منا.. لكن من يجلسني في كأس لأحتفي بهذا النبيذ.. كيف ألوذ في عمقه لأرتوي شعراً إلهياً من أصابع لا تعرف السكينة.. نعم إلى المزيد من.... نبيذ.. عيسى... الإله