ماذا هؤلاء ؟ و لماذا أُمسكُ بالملعقة و أضعها في أفواههم ؟ لأنهم يريدون ذلك بشدة ونهمٍ و عرفان , ليس مثل أولئك الذين يقرأون سطراً ويقفزون سطراً , يفعلون ذلك فقط لأخذ فكرة سريعة أو تأدية واجب ,أوأولئك الذين ينامون وهم يسمعون أو يسخرون ,أو يقفون لك بالمرصاد فقط ليقال عنهم أنهم مثقفون فيجادلون و يستعرضون لمجرد التباهي و الظهور وأنهم كانوا موجودين في محاضرة الكبير فلان فيما لو سئلوا عن ذلك .
بدو مبارك اليوم وهو يتمسك بكرسي الرئاسة، كأبو الهول لا يحرك ساكنا،فيما يستعيد شعب مصر الثائر جسده المحنط ،ومعه يستعيد قضية جيل بأكمله ،جيل ولد على صخب ثورة 1919، عايش جمال عبد الناصر، دفن السادات ، دخل بعدها في كوما الكبت واللاوعي، وعاش طوال ثلاثين عاما وهو يستمع إلى قصة سائق التاكسي الذي وقع في غرام تلك العاهرة، ولم يعد يجد سوى التأوه والشكوى التي يعيدها ويكررها مع كل راكب يصعد سيارته ومع كل راكب ينزل .
أثناء مرض الرئيس مبارك، عكست تقاريرُ كثيرة، ومقالات، قلق إسرائيل من التغيير الذي يمكن أن يحدث من بعده، فهل يمكن أن تكون يدُ إسرائيلَ بعيدةً عن إدارة هذه الأزمة، حتى وإن عبر وسطائها الأمريكان؟ خاصة أن أمن إسرائيل هو هدف أمريكا الأول؟ هل يقبل المصريون بذلك؟
أربكت ثورةُ الشباب موازين النظام، فلجأ إلى أدواته القديمة التي انتهت صلاحيتها: الترويع الأمني، وإطلاق السجناء والبلطجية المسجلين، وكذلك أفراد الأمن المركزي والشرطة السرية ليسرقوا وينهبوا، (لكي يضعنا النظام أمام معادلة ثنائية غير نبيلة: أنا، أو الفوضى الأمنية)،
أدهشني أن يخلط الشباب بين تجليات الحب, فغالبيتهم تحدثوا عن حبهم لله, والأب والأم والوطن, والأنكى أن الجميع تقريباً تحدث عن الحب بطهرانية شديدة كما يفرضها المجتمع وقوانينه وموروثاته العتيقة, وصورة ذلك الطفل وأبيه في الفيلم لا تفارق مخيلتي!!!
الحب يجب أن ينتهي بالزواج, وألا يلمس الشاب الفتاة لأنه مهذب وإلا سيغدو هذا الحب غير بريء وسيء وسلبي!!!
كانَتْ (مسلمةً)، وكنْتُ (مسيحيّاً)، هذا ما أخبرَنا بهِ في غَفْلةٍ الجزَّارونَ الَّذينَ كانُوا يشحذُونَ سكاكينَ بَغضائهِمْ لِلفَتْكِ بنا.!. فما كادَ الفصلُ الدِّراسيُّ الأوَّلُ ينتهي، حتَّى وقعَ ما لمْ نكنْ نحسُبُ لهُ حِساباً: قدِ اتَّخَذَ الجزَّارونَ القرارَ بالتَّفريقِ بينَنا، بالتَّهديدِ والوَعيدِ الَّذي وصلَ حَدِّ الذَّبْحِ.!.
اِلتقَتْ بي في رُواقِ الطَّابقِ الأوَّلِ، بعدَ الانقطاعِ للتَّحضيرِ لامتحاناتِ الدَّورةِ الثَّانيةِ في أيلولَ، رجَتْني أنْ نكونَ صديقَيْنِ: "الحبُّ أقوَى، لكنَّ الصَّداقةَ أبقَى.!.".!. كانَتْ حزينةً كالمجدليَّةِ، وكنْتُ حزيناً كيتيمٍ.!.
أرغبُ في المجيء إليكِ يا دمشق شرطَ أن أرى أمي . حبيبي . أصدقائي ودمشق التي عرفتها . أذهبُ إلى النادي السينمائي أتناقش مع المخرجين ، إلى الكنيسةِ في باب توما حيثُ كنتُ أرافقُ صديقاتي من مرمريتا وحب نمرة إلى هناك ، وإلى حفلةً نقيمها بمناسبةِ عيدِ المرأةِ أو الطفلِ أقولُ فيها أشعاري . أتحدّثُ عن التحرّرِ والحريةِ ، فأجلبُ عنها أمثلةً لا تمتُّ إلى الحقيقةِ بصلةٍ أغلبُها من بناتِ أفكاري . اكتشفُ بعدَها أنّني لم أكنْ حرةً . كانتْ أوهامي تقولُ لي ذلك وأسعدُ بها . ينتهي يومي بغمضةِ عينٍ لأنّ النضالَ يحتاجُ إلى ركضٍ وكلامٍ بالشعرِ والنثرِ .
هناك نوع آخر من استخدام لمفردات تخص بلد ما كا التي يستخدمها أحد كبار فنانينا العريقين الكبار الذي يلوّن مقابلاته كلها بكلمة ( يا قلبي ....) و ( برضو ) , الكلمة الأولى يقولها باللبناني الصرف وتكون بين كل جملة وأخرى, و الثانية يلفظها باللهجة الأردنية , لماذا ؟ يسأل الناس الذين يحبونه و يقدرون تاريخه العريق .
والأنكى من كل ذلك , منذ سنوات قليلة وقت سُمح بانتشار الإذاعات و تسابق أصحابها ليقدموا الأكثر تميزاً .
آخر جملة سمعتها من أحدهما هي: "ينبغي عليّ أن أنتحر، ولتفعل العولمة فعلها"، صدقاً، لم أتأسف ولم أشعر بأي خوف عليه، فهو قرار صائب، لكن ما تأسفت عليه هو أنني لم أقل له: "أنت ميت أساساً، وهل ينتحر الموتى؟" .. في رواية موتى مبتدئون لـ سليم بركات، عدة أموات يبحثون عن خليج، وفي النهاية يعلمون من خلال صاحب المدية الصامت، أنه لا أحد في خليج مورتفيك. يا صديقي أنت لست أحداً. لا أحد.
في صباح اليوم التالي، حضرتُ معهن الصلاةَ والقداس، فهالتني لوحةٌ أخرى من الجمال الحيّ. خشوعٌ حقيقيّ، وترانيمُ عذبةٌ تذيبُ القلبَ حبًّا للكون ولخالق هذا الكون. "نُصلّي لإخواننا أصحاب الديانات الأخرى، ليحيوا عمقَ إيمانهم، حسب قصد الله. نُصلّي من أجل كلِّ إنسان يمارس العنفَ باسم الدين، ليكتشف غِنا وعظمة حب الله." سمعت الراهبات يقلن هذا، وقرأته في كتب الترانيم، الموضوعة أمام كل مقعد، بما يعني أن دعواتهن الطيبة للمسلمين جزءٌ أصيل من صلواتهن اليومية وقداسهن، وأنهن لا يبخلن بالدعاء حتى لمن قسا قلبُه.
ماذا يفعل العالم الإسلامي اليوم؟ إنه ينقب عن أعدائه أكثر مما ينقب عن أصدقائه، يلوم الآخرين أكثر من أن يلوم نفسه. (الكتب المدرسية العربية تعظم الذات وتصور حضارتها على أنها أعظم حضارات الأرض وبلا أخطاء، وتصور الآخرين دائماً على أنهم مجرمون ومعتدون وغاصبون.)
هل تستفز بعض مقالاتي الآخر, لعلي أستعير من حامد عبد الصمد مقولته" إن الاستفزاز قد يكون بداية لفتح حوار, وهذا ما نسعى إليه دوماً!