لم تزل محفورة كالوشم في ذاكرتي تلك الصورة الكبيرة التي كانت، ذات يوم، تتوسط غرفة الأسرة: أبي شديد النحولة يقف جانب حصان ضخم، ويمسك رسنه، وقد قال لي، بعدما كبرت قليلاً، إنه لم يمتطه ولم يفكر بذلك في حياته، إنما التقط تلك الصورة كنوع من مباهاة وشعور بالكبرياء، كما كان يفرض المزاج العام في تلك الأيام.
ليس تشكيل الصورة ما كنت أتذكره دائماً، لا الحصان الذي تبدو عليه الحيرة، ولا أبي الذي يبدو عليه التوجس، ولا البيت في خلفية الصورة الذي يبدو عليه الرسوخ... ما أتذكره، فكرة أن الصورة بالأبيض والأسود. ما أتذكره، الأبيض والأسود.
في منتصف القرن العشرين لم يكن وجود الصورة بالأبيض والأسود !في منتصف القرن العشرين كانت الحياة كلها تبدو كأنها بالأبيض والأسود. كانت الحياة واضحة، محددة، متّجهة... قررت الشعوب أنها تريد إخراج الاستعمار من بلادها بقول لا رجعة عنه: يجب أن يخرج،
إلى زياد الرحباني و"العقل زينة"
كما فِعلُ فنجان القهوة الصباحي كفيلٌ بإيقاظ حواسِّك كافة..
كما لحظةُ الانتشاء بعد فسحة الخمر كفيلةٌ بإيقاد شَجَنِكَ إلى أقصى مدى..
كما نقرات ندى الأمطار على نافذتك كفيلةٌ بدفع روحك للرقص بعد جمود..
كذلك كان أثرُ لحنِ الكمان ذاك في مَسْمَعِك. قصيرٌ، ساحرٌ، يخترق الجدران التي تخنقك، ليتفجّر في أذنيك نافضاً ما حولك من تشويش. تدير رأسك بذهول، في كلّ الاتجاهات، راجياً تحديد مصدر اللحن. تغمضُ عينيك آملاً تركيز حواسّك لتستحيل أذُناً تُنصت فحسب، مبعداً أفكارك المبعثرة في تلافيف دماغك.
وصلني عبر الإيميل، كما بالتأكيد قد وصلَ العديدَ منكم ممن يتوسّلون الإنترنت، رسالةٌ، أصابتني بالاكتئابِ أسبوعًا، ثم بالضيقِ أسبوعًا، ثم بالحَيرةِ أسابيعَ، وأبدًا طويلا لا ينتهي. الحيرةُ في أن أفهمَ كيف خطرتْ على بال من صنعها، ثم في جسارة طرْحها، ثم في مغزاها، وفي الأخير، الحيرةُ في أن أجد توصيفًا يليقُ بها! المُرْسِل هو "نورُ الإسلام"، اسمٌ مستعار لشخصٍ أو لجماعة. وأما فحوى الرسالة فخُلْوٌ من كلِّ نورٍ، ومن أيّ إسلام!
الرسالةُ عبارة عن صورتين. إحداهما صورةُ خُفٍّ (شبشب) أبيضُ اللون، على أرضيته شريطان أزرقان متعامدان، يشكّلان معا هيئةَ صليب! وفي الصورة الثانية قدمٌ بشريةٌ وقد داستْ على الصليب!!!وليس من كلمةٍ في الرسالة، اللهم إلا عنوانُها الذي يقول: "احذروا هذا الرمز، خطرٌ يُدمّرُ مستقبلَكم وحياتَكم، ضعوه تحت أقدامكم."
لبيتُ، بسعادة، الدعوة التي وجهها إليّ اتحاد الطلبة السودانيين للحديث عن أدب الروائيّ الراحل (الطيّب صالح)، مع أنّني لا أميل عادة إلى الحديث عن الأشخاص، بل أفضّل الحديث عن الظواهر، والأشياء، والمنجزات، ثمّ أن تحدّث السودانيين عن (الطيّب صالح) فإنّك تكون كحامل تمر إلى هَجَر!لكنّ تلبية هذه الدعوة في ظلّ هذا الظرف السياسيّ- الثقافيّ الصعب جاءت رغبة منّي شخصيّاً في الوقوف مع الطلبة العرب في دعم وحدة السودان، وسيادته، وعروبته، والتأكيد على أنّ للثقافيّ دوراً خطيراً في تعزيز هذه الوحدة، إذ لا يمكن استثناؤه من التصدي لهذه الأزمة التي تستهدف الهويّة الثقافيّة بالدرجة الأولى، ولا شكّ في أنّ (الطيّب صالح) روائيّ من طبقة الفحول، وقد التقيته أكثر من مرّة في دمشق، وفي الدوحة، حيث تسامرنا طويلاً، وذلك بصحبة الناقد الكبير رجاء النقّاش، رحمهما الله.
غازي سلامة ليس مجهولا بما يكفيه، وليس معلوما بما يكفينا، فما يكفيه، أن يرحل الى بلاد لاقطعان فيها، ولا مناوئين، ومايكفينا أن نتعرف الى رجل، شاخ وهو يستمتع باللعب مع الذاكرة:
ذاكرة اليسار السوري، بما حمل من تنويعات النص اللاهوتي، وقد حول الجدل الماركسي الى تعويذة تنام تحت مخدة السرير.
ذاكرة الحرس القومي منشدا: ياعروبة من لباك.
ذاكرة الصحافة السورية وقد قطعت طريقها من غسان رفاعي، الى غرافيك المشهد الراهن.
ذاكرة أمم تتناحر على الامم، فتتآكل الحدود طورا، وتضيق أطوارا، وتنفتح في نهاياتها على :" دعه يعمل دعه يمر".
علي رحالية "مواطن" جزائري، غير أنه مواطن من نوع خاص جدا.. ينشر رسائله المفتوحة أسبوعيا على غير العادة في أهم مساحات صحيفة "الخبر الأسبوعي"، مثلما كان يفعل قبل سنوات على "الشروق اليومي"، مع صورته المميزة وإيميله الشخصي.. علي، مواطن مدلل ولد كبيرا، عندما نشر أولى رسائله "المفتوحة" الأولى التي كان عنوانها "مواطنون لا جرذان".. كان ذلك في يومية "الشروق اليومي" في عهد مديرها السابق عبد الله قطاف، الذي أعجب برسالة هذا المواطن الذي هو صحفي سابق واتفق معه على أن ينشر له "رسالة مفتوحة- مفضوحة" مرة في الأسبوع في الصفحة الأخيرة "المقدسة". ولئن كانت رسائل المواطن علي رحالية تغوص عميقا في هم المواطن البسيط ولسان "مقطوعي الألسنة"، إلا أنها تكتب بطريقة مختلفة تماما، فيها جرعة زائدة من النقد ومن الهم الفردي والجماعي، وبفنية عالية جدا والأهم اهتمام بالتفاصيل الدقيقة (وحتى التافهة أحيانا). وفي الحقيقة فإن الهوس بالتفاصيل لا يعود إلى مرحلة "المواطن" فقط،
تحية تقدير وعرفان لكاتبة المقال الهام (الرجل «يتنفس» بالمسيار . والزوجة ماذا عنها؟) للكاتبة موضي الغدير والمنشور يوم الاثنين 13 أبريل 2009 في صفحة الرأي بجريدة الرياض التي تفاجئنا من آن إلى آن بموضوعات تتسم بالجرأة اتساقاً مع مناخ حرية التعبير عن الرأي .. والرأي الآخر..
تلك المكسوة بأوراق الخريف كانت أيامي الذهبيةفي الأيام الغائمة و المشمسة على السواء، كنا نهرب من الجامعة ننهب الدرب حتى نبلغ السبع، دكان المشروبات الروحية في الشيخ سعد، العنزة الجربانة ما بتشرب إلا من راس السبع كنا نقول، نشتري بكل ما معنا من نقود نصيّات براندي و نمضي إلى المكتب.
لعلّ من الظواهر اللاّفتة في حياتنا العربيّة ظاهرة انتشار المستشارين، فما لفتني في الآونة الأخيرة أنّني كلّما تعرّفت إلى شخص، اكتشفت أنّه مستشار لجهة ما، أو لشخصيّة ما، فهذا مستشار سياسيّ، وهذه مستشارة ثقافيّة، وذاك مستشار اقتصاديّ، والآخر ماليّ، وهكذا..
ليس وجود المستشار بشيء جديد على الأدبيّات السياسيّة، لكنّ المحيّر هو كثرة المستشارين، في الوزارات، والأمانات العامّة، والسفارات، والمراكز الثقافيّة الهامّة، والمراكز العلميّة، والقانونيّة، والدينيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والأمنيّة، إذ لم يعد الأمر يقتصر على مستشارَين أو ثلاثة لكلّ مركز، بل هناك مستشار للمركز أو للوزارة أو للرئاسة أو للقصر، ومستشارون غيرهم لرئيس المركز شخصيّاً، أو الوزير شخصيّاً، أو الرئيس شخصيّاً، بحيث يمكن أن يؤّلف المستشارون جمعيّة، بل نقابة على غرار نقابة المهندسين أو الأطباء.
تمرينات للصوت الخام
هل يحتاج الكاتب إلى تفسير كل خطوة مشاها في أرض الله الواسعة ، أو كل كلمة قالها كما يشاء؟بالنسبة إليَّ أرى ما أريد وأكتب ما أحب ، وليس ضرورة أن أنتعل أحذية غيري أو أستعير أصابع ليست لي .الحرية مثل العقل والوجدان، لا يمكن أن توجد خارج ذات الكائن ، وأنا حر في شعوري بالتحرر من الاستعباد للوجبات السريعة في حياتنا.وأقول دائما لنفسي إن أسوأ شيء يمكن أن نحياه هو التكرار، أو أن نكون بدون عواطف ، فتتحول مع الزمن إلى شخصيات ورقية، أو "كارطة" عليها صورنا يلعب بها الصغار والكبار.
الحياة توازي الإبداع والتجديد لصد الأفول الزاحف، وهي مَن تحققُ لنا ذلك السمو الحافظ لطُهرانيتنا .
- نحن طهرانيون .هل ما تزال تشك في ذلك ؟