هل تذكر ذلك النصّ الذي أخبرتك أن احتلّت دموعه عيادة؟ كنا نتمشى بالقرب من شارع المقاهي. والسطور برأسي. أسترد حقي في الحزن بسهولة معك.
ولا أخشى على رصيد التشقق والانهيار. "بنضيّع وقت". تشعرها. ولا أوافق. لكنها أنت الحقيقية. أسدلتُ نصًّا. أراق عطفهم الذي رممني بشيء من الهدوء. سأخبرك الحقيقة: في اليوم الذي جابهتني بخيبتي معك. زرت تلك العيادة وكانت المرة التالية لزيارتي لها مع أبي. نفس الليلة التي زارنا فيها خطيبي السابق وعرف أننا هنا ولم يجئ وفضّل أن ينتظرنا في البيت مع إخوتي. تأخرنا وسأل أبي ليلتها عني خاطب آخر. كان بوده لو أخفيت المحبس. ليال قاسية. وغبارٌ للماضي يتقادم.
لا تقتلوني بيأسكم!! فأنا رأيت الأمل في عشق طفلة لشامها... في عطش عجوز لقطرة ماء من نبع الفيجة... في دعاء الآلهة المسمرة في المتاحف... في ظلال الله تحت أشجار الزيتون... رأيت الأمل في أغاني العيد تعلو بين الركام.... رأيته يهب كنسمة الصبح تكنس الحزن والغبار... رأيت الأمل في عشق الياسمين لداره.. في الوجوه التي تنتظر صباحا بلا غربة ولا لجوء.. في الحنين المختبئ في حقيبة المدرسة... في الشوق ليوم عادي بلا موت ولاخوف... رأيت الأمل لأن الموت لا يأتي ليبقى بل يموت ويأخذ معه كل الغربان السود....فدوام موتنا هو المحال ودوام قهرنا مستحال وليس لنا سوى نافذة الأمل نطل منها على غدنا لنرى فيه أنفسنا ونحن نمشي منتشين بكرامتنا وحبنا وحريتنا..
بالأمس تذكرت أقسى تفاعلاتي شاهدت وجه صبية مثلما الريم تمشي تحدث نفسها عن قسوة الريح وأنا أحدث ظلها عن حكايتها عن فقدان أب في ريعان شبابه وفقدان زوج في ريعان شبابه وقسوة الفقدان في ريعان الشباب .تلك الصبية التي تشبه الألف بنقائها وسموها والتي تحدثت إلى ظلها كثيرا" ورافقت روحها برحلة سحرية.كانت معي البارحة رأيتها بوجوه كل من قتلتهم كيمياء العصر بوجوه أطفال لاذنوب لهم ونساء لاذنب لهم. بالأمس كانت الكيمياء سيدة الموقف وكعادتنا جعلناها سيدة المواقف المؤذية. كانت الكيمياء هي الداء وعجزت أن تكون الدواء وكانت الموت وعجزت أن تكون الحياة .وكانت سيدة الحزن ومااستطاعت أن تحتمل أن تكون سيدة الفرح.
نم قليلاً بينهم ...
قد تحلم بهم، أو تلتقي بهم في الحُلم وتسألهم عن مذاق الموت ونكهته المبهمة، وعن عالمهِ الذي يصنعه البشر أحياناً أو في أغلب الأحيان!
تصنعه الحروب والدمار
تصنعه كفوفٌ وأصابعُ كان قدرها أن تكون لوحوشٍ بشرية!
الحربُ.. أداة الموت الأولى
الحربُ .. ابنه الطغاة البكر
كنّا نضع المدفأة متأخرين عن بقية الناس في الجوار، وحتى إن أشعلناها، أشعلناها لتعطي من الدفء ما يمنحه عود ثقاب، كان ذلك كافياً، وبات كثيراً جداً حينما ابتكرَ والدي تقنية جديدة، وهي أن يلفَّ جدران المنزل بأسطول من البلوك، تاركاً فراغاً فخاً للبرد والحرِّ على حدٍّ سواء.
لو ما كان كلّ هذا، أكنت صرت على ما أنا عليه الآن ؟،
مدفأة كعود ثقاب تتوهج في قلبِ منزلٍ محفور في تلةٍ من اللِّـبن
وأنا واقفٌ أمام المدفأة، أترقب شعلةَ النارِ في رحمها، ومنتظراً الريح لتنفخَ في المدخنة ...!
لألتقطَ كلّ شعاع منفلت كجنين،
كقوافل زاحفةٍ ...
يجرُّ شركاء الحزن الأبدي ... هزائمهم وخساراتهم ...
بالقوة ... بالعنف ... بالحسرة ...
يشدّونها من أذن الحياة ... ويَخطون بها لغدٍ قاسٍ بليد ...
ي أثينا يجتمع الفقر والبؤس معاً. تجتمع الجريمة والمافيا، ويدفع الضريبة أشخاص أبرياء، وعندما ترى النساء تصرخن خلف عربة ثابتة" بسطة" عن أسعار البندورة والثوم، وهن مرهقات. تعرف أنّ العالم ليس بخير ، وأنّ أوروبا قد فارقت اليونان منذ فترة. أغلب النّاس هنا يشبهون في هيئتهم أبناء القامشلي، أو السّاحل السوري، وهم لا يعرفونني كغريبة بل يتحدثون معي اليونانية التي لا أعرف منها سوى كلمة" ني" أي نعم. أقول لهم: نعم. أكتشف بعدها أن إجابتي لم تكن صحيحة. أحاول بالإنكليزية، لكن لا حياة لمن تنادي!
القلب أليس غريبا" كل ماجرى من حوار بيني وبينه ....أليست غريبة تلك القدرة السحرية للظل في كشف السر الساكن الروح والتعبير عنها بأشكال مختلفة..... سامحني ياظلي العزيز كم أتعبتك بتقلباتي.....فكنت سبب تقلباتك أعدك بالتوازن إن أردت......للظلال قصة بحجم الكون هي نحن وانعكاساتنا حينا"أداعب انعكاسي ليضحك وأضحك...أحرك يدي بطريقة تظهره بهيئات مختلفة ومضحكة فقط لأثبت له أنني كاشفة له مثلما هو كاشف لروحي. أترى للناس في الظلمات ظلال أم لا .
تلتفت يميناً... لا ترى شيئاً !
شارعٌ لا يمشي فيه سوى ذكرى الخطوات وأطياف أناس كانوا يتضاحكون ويتسوقون هنا وهناك...
أسلاك شائكة في المعابر تلتفُ فوق مستطيلات الإسمنت التي تقطّـع الشوارع والساحات ...!
ــ رغماً عن حذركَ وعن أنفكَ، عليكَ أن تمرّ من الزاوية المحددة لكَ؛ ( كأنكَ تقفُ عند معبرٍ حدودي للتفتيش)!
أنقذوني ..
أضغط على حفنة ماء في كفي وأنهمر.. كل داكن هنا كان أفضل من اللا لون. كل خوف هنا كان أشجع من الموت. كل دخانك هنا كان أصبر من الغياب.
أنت لم تفهم إلى الآن أن العاطفة فتاة أنيقة غير موجودة بالمشهد أصلا. أنت لم تصل إلى أنه بصدري شيء بحاجتك: قلب. وبيدي: عون. وبرأسي أيضا: أغنية وشعر ورصيف عال مخطط بأبيض الأمنيات وأزرق انهمارنا. وبعيني نيل ومراكب. لكني أعرف أنك تدير ظهرك لسبب قاهر, بوجه صحراوي, وتمضي ظمِئا. ســاربًا بالكاد تلملم لهاثك.