إن اللذين وقعوا تحت تأثير “سِحْرِ” الثورة بطابعها السلميّ في أشهرها الأولى، يبدون كأنهم “سُحِرو”ا إلى درجة مفارقة الواقع، والانفصال عنه، إذ غابت المرونة التي تخوِّلهم مواكبة الثورة في منعرجاتها ومنعطفاتها وتحوُّلاتها، وظلُّوا أسرى صورة محدَّدة ثابتة، ومطلقة عن الثورة، رافضين الإصغاء إلى أو الاعتراف بأي طارئ جديد قد يحلّ عليها. وهنا تبدَّت رؤيا أخرى ممهورة بالتشاؤم وأسُّها الخوف، الخوف من انحراف الثورة ذات التكوين المدنيّ السِّلْميّ باتجاه العسكرة المحفوفة بكل أنواع المخاطر. ولكن على الضفة الأخرى ثمة من بدا “هيرقليطيّا”ً في التفكُّر في واقع الثورة، وأظهر مهارات في إدراك هذا الواقع كصيرورة،
فإن الرئيس يقول أنه لايعلم?! قد تكون تساؤلات الرئيس الحائرة حول الدور الإيراني ودرجات تورطه العسكري في لبنان المقدمة والبداية لفصل لبناني تحرري جديد سينبثق مع سقوط النظام السوري القريب وتبدل المعادلة الإقليمية وتنظيف لبنان والشرق القديم من الأدران الإيرانية وهو ماسيحدث في نهاية المطاف رغم أنوف القوم الطويلة والعدوانية ؟ الحقائق تقول بأن الرئيس يعلم بكل التفاصيل ولكنه التقط بداية الخيط من حديث وتبجحات الجنرال الحرسي الإيراني ليقوم بالمهمة الأصعب,
نبدأ مع الإبراهيمي. ولد عام 1934، أي أنه عاصر تشكّل مرحلة الاستقلال العربية، والكيفية التي نشأت بها الأنظمة العربية، ومنها النظام السوري، وكيف وصل إلى ما وصل إليه. كان وزيراً لخارجية الجزائر ما بين 1991 و1993، وبالتالي تعامل مع النظام السوري من قرب. بعد ذلك تولى مهمات دولية في أفغانستان والعراق، ومن ثم فهو يعرف المجتمع الدولي، وما الذي يحكم مواقف دُوله أثناء الأزمات الدولية. هناك ملمح آخر في ملف الإبراهيمي، وهو عضويته في منظمات دولية تعنى بقضايا السلام، والحكم الرشيد، والعلاقة بين الإقصاء والفقر والقانون،
تكثف هذا أيضاً في شعار آخر شهير لا شك في أن الإبراهيمي يعرفه: «الأسد أو لا أحد»، أي حيث لا بشار فلتكن سورية يباباً، أرضاً محروقة على ما تقول صيغة أخرى للشعار ذاته. والبرنامج المضمن في هذا الشعار هو ما يجري تطبيقه فعلاً. فإن كان لسورية أن تبقى بلداً ودولة، وهو ما نفترض أن الديبلوماسي الجزائري يسعى إليه، فينبغي أن يرحل الأسد.قد تبدو هذه استدلالات منطقية في مجال قلما يجدي فيه المنطق: السياسة. ولكن، من دون انضباط بالمنطق لا تستقيم السياسة، تغدو مجالاً مباحاً للقوة العارية والاعتباط، وهو الواقع في سورية اليوم،
وأما اتهام محمد بالدموية والإسلام بالعنف، فقد زادت حدته مع الحروب الصليبية.وثمة اتهام آخر شائع قديم ومتجدد بحظر مناقشة «العقيدة»، «حيث أن المسلمين لم يكن مسموحاً لهم بمناقشة الدين مناقشة حرة في الإمبراطورية الإسلامية». وهنا نجد أن منطوق الاتهام نفسه (العقيدة) معرفاً بآل إنما يمثل إسقاطاً نفسياً مباشراً، بقدر ما يمثل خطأ أولياً أو قبلياً بلغة المنطق... إذ لا توجد في الإسلام عقيدة لها طابع تحكمي تفرض نفسها على المسلمين دون عقائد أخرى، فالعقيدة في الإسلام واحدة، جوهرها التوحيد المطلق،
يقول حافظ جميل:
يمناكَ ماتركت عذراً لمعتذرِ....فاضرع ليسراك أن تبقي على البشرِ
إذا تبسمتَ طار الناسُ من فرحٍ.... وإن تجهمتَ ماجَ الناسُ في كدرِ
وإن أقمتَ أقامَ الذعرَ محتشداً.... وإن مشيتَ مشى الطاغوتُ في الأثرِ
هذه الأبيات وذلك الاهداء الذي يشبه النعي أخذني لتقمص حالة من الكوميديا الساخرة التي نحتاجها جميعاً كحالة دفاعية
هي أصعب الأوقات في سورية الآن. مواجهات قتالية غير متكافئة، وشعب متروك لإرهاب السلطة. نظامٌ تهالكت هيبته وتهتّكت سيطرته وثقة أنصاره وحلفائه به. وزير إعلامه يقول إن «الجيش لا يستخدم القوة المفرطة»! وكأن أحداً لم يُعلِمه أن الطائرات تقصف والصواريخ تهطل على السوريين في بيوتهم، فهل هذه قوة ناعمة؟ وهل الإعدامات الميدانية واستهداف المخابز وحرمان حلب من المياه وتدمير العمارات فوق ساكنيها هي من قبيل ضبط النفس؟ لم يعد هناك أي «مسؤول» يفترض أنه «مدني» إلا وقد انتابه وباء «التشبيح».
لا أعرف كيف يمكن لسوري أن يظن أو يتوهم أن النظام يحميه من بقية السوريين، مهما كان عديم المعرفة بالتاريخ. يكفي أن يسأل السوري، إلى أي جهة انتمى، أحدا من شيوخ أسرته وكبار السن فيها عن معايشاته، ليتأكد أن ذاكرة شيخه أو كبير أسرته تخلو من أي أحداث تشير ولو من بعيد إلى مشكلات جسيمة أو إلى مذابح وتجاوزات واعتداءات وقعت بين السوريين، أو إلى انفلات ما مارسه قطاع من الشعب ضد قطاع أو قطاعات أخرى.وليس في تاريخ سوريا أحداث ذات خلفيات دينية أو مذهبية تشبه ولو من بعيد ما عرفه تاريخ أوروبا من مآس سببتها الانقسامات الدينية في الصف المسيحي الواحد.
تصبح المرأة أو الشخص الداعي إلى تحرير النساء داعياً إلى هدم الدين أو إباحة المحرّمات الوطنية والدينية، إضافة الى كونه عميلاً للأجانب، باعتبار أن الأجنبي هو عدو الله والوطن. فشلت النساء المصريات (والرجال من ذوي الضمائر) في تغيير قانون الأحوال الشخصية، على رغم النضال الطويل، بسبب خوف مزمن من «عقاب إلهي». ولم تكن كشوف العذرية للشابات المشاركات في ثورة يناير، إلا محاولة لإشاعة الخوف بين الفتيات وعائلاتهن، وبالتالي يفرض الأهالي على بناتهم عدم الخروج الى التظاهرات،
التغيير مقبل والمسألة مسألة وقت، هي عبارة يكررها أصدقاء الشعب السوري لحجب زيف سياساتهم ومواقفهم، وتاليا، رغبتهم بعدم استعجال الحسم، ما يشعر السوريين بأن وراء هذا التعاطي مع محنتهم، تقف رغبة خفية ومضمرة بترك الصراع مفتوحا لأقصى مدة ممكنة، كأن هؤلاء الأصدقاء يريدون لصديقهم أن يدمر بلده تدميرا ذاتيا وأن يعيش في دولة منهكة ومفككة، أو كأنهم ينفذون من حيث يدرون أو لا يدرون خيارا طالما حلمت به إسرائيل في إيصال هذا البلد إلى حالة من الإنهاك والاهتراء تشغله عنها، أو كأنهم يريدون استنزاف عدوهم الإيراني على حساب دماء السوريين ومستقبل أجيالهم،