قول «انشقاق» رئيس الوزراء السوري أشياء مهمة عن الدولة والسياسة في سورية.منها أن أحوال الدولة الظاهرة التي يشغل فيها رياض حجاب موقعاً متقدماً، الرجل الثاني في سلسلة الحكم في سورية بعد رئيس الجمهورية، لا تفيد شيئاً عن أحوال الدولة الباطنة التي لا نفاذ للسيد حجاب إليها، وهو لا يعدو كونه موظفاً محدود الأهمية في مراتبها. الدولة الــــباطنة، ما نســميه عموماً «النظام»، هي مركّب سياسي - أمني، قائم على علاقات الثقة الشـــخصية، ونواته الصلبة عائلية طائفية. أما الدولة الظــاهرة، ويغلب أن تسمى «الدولة»،
حتى في أكثر أعمال ماركس في النقد الفلسفي غموضاً. كان ينتشر مع القصد من النهاية (وحشية الأنسان مع الأنسان) منظوراً يعطينا أكثر التعابير شهرة في (البيان الشيوعي) حيث التحليل العلمي والدعوة للعمل مندمجةًً. وحدة النظرية مع الممارسة ظلت المفهوم الأساسي للماركسية, ولاتزال الهوة بينهما تتسع على إمتداد القرن العشرين. التغييرات الأجتماعية الهائلة منذ زمن ماركس تدعو إلى تغييرات مناسبة في النظرية, ونقل النظرية الى الممارسة يتطلب على الأقل درجة من الاستقلال عن المتطلبات العاجلة للممارسة السياسية ( وهي نفسها تدار من قبل الافتراضات النظرية).
نظام السيطرة، وهو الوجه الآخر لنظام الموالاة، الذي يقوم على الضبط والرقابة الصارمة والدائمة، استكمالا لنظام الموالاة الذي يقوم على الخضوع الطوعي والرضوخ الاختياري. لئن كانت الموالاة تعيد إنتاج ما تريده قمة الهرم في جسدية النظام السياسية والتنظيمية، فإن نظام السيطرة يتكفل ببقائها ناظما أي سلوك وموقف لدى من ينتمون إلى هذه الجسدية، باستخدام وسائل رادعة تنقلب إلى وسائل ملموسة عند الضرورة، تتراوح مفرداتها بين التمليح والتنبيه والتحذير وبين الاعتقال والتغييب والتعذيب والقتل. يتكفل نظام السيطرة بفاعلية نظام الموالاة، وبجعل أي موقف يقع داخلهما كنظامين يضمنان دوام النظام العام،
أراد الشعب بانتفاضته أن يفتح سورية على أفق الحريات والديموقراطية وتعايش الفئات والمذاهب، أما النظام فذهب في القمع الى حدٍّ شرع فيه خريطة البلاد أمام كل التمزقات الداخلية المحتملة وكل الانتدابات الخارجية المتوقعة. في العراق، ارتكب الأميركيون كل الخطايا المميتة، باستثناء أن يقودوا هم عملية التقسيم، وإن كانوا سهّلوا ما يعتبر ارهاصاً له بدعمهم استقلالية اقليم كردستان. لكن أكراد سورية يقولون ان واشنطن أوضحت باكراً جداً أنها لا تؤيد أي صيغة استقلالية لهم، .
طوال نحو نصف قرن من الحكم البعثي، وفي عقود الحكم الأسدي الأربعة خصوصاً، كان في سورية فاعل سياسي وحيد هو «النظام». وكان هذا مردوداً إلى نواة صلبة ضيقة، سياسية أمنية، علاها طاغية فرد ثلاثين سنة، ثم أسرته منذ دزينة من السنين. المجتمع السوري، وهو أكثر مجتمعات المشرق تعقيداً، كان ممنوعاً من السياسة والتعبير عن نفسه. المعارضة السياسية مقموعة ومحطمة. الجيش «عقائدي»، أي منزوع الصفة الوطنية العامة، وتابع للنظام.بعد نحو 17 شهراً من الثورة، يتشكل مشهد سياسي سوري جديد، معقد، لا يشكل النظام غير طرف واحد منه.
وقد لفت انتباهي في كثير من ردود الأفعال التي رصدتها علو النبرة الانتقامية ذات الطابع الطائفي الصارخ والتي كانت سياسات الأسد هي المحرك الأكبر لها وهو ما سيحصده هو وعائلته وطائفته حنظلا طائفيا مقيتا. وسيكون على عقلاء سوريا وأصدقائها في المنطقة والعالم أن يتنبهوا لحجم هذا الخطر الطائفي المقبل وأن يحسبوا له حسابه قبل الفراغ من رحيل الأسد وإيقاف حمّام الدم الممنهج الذي لا يبدو أنّه في وارد التخلي عنه ما لم يتم إجباره على الرحيل بالقوة.يدير الجيش السوري الحرّ معركة كبرى في حلب وهي بالتأكيد معركة مختلفة عن معارك دمشق السابقة،
عندما جاء الاحتلال الأميركي وأزاح الدكتاتورية وأتاح لأحزاب ما يسمى بالاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني مع تلوينات اقتتضتها اللوحة الفسيفسائية "الديمقراطية" بالصعود إلى حلبة التنافس الدموي الذي أخذ طابع الحرب الطائفية التي استعارت من صفحات التاريخ الأسود سطوراً نارية تزرع الشقاق بأدوات "الروافض" و "النواصب", وبخلايا الموت النائمة منها والمستيقظة بالاضافة طبعا إلى المليشيات التي لها أكثر من راعٍ. لكي تتيح للطائفيين من جناحي الأمة التربع على الكرسي المتحكم ببيت المال النفطي. فتتحول الحياة إلى مهرجان دائم من المناسبات الدينية التي لا تنتهي
هكذا أصبح الآخر في مثل تلك المشاريع الكولونيالية (اللاهوتية السياسية) هو «الغريب» الذي لا ينتمي إلى عالم الـ «أنا» والـ«نحن»، إنه الآخر الذي يعني من ضمن ما يعنيه: «العدو».مؤخراً، أطلق كثير من مقربي جورج بوش، الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية، على الحرب على الإرهاب اصطلاحَ «الحرب المقدسة». إننا نفهم لماذا أطلق بوش وصف «الصليبية» على حربه، لكونها استكمالاً للحروب المقدسة القروسطية، إ
تظهر إيران عزماً متجدداً متشدداً في حماية النظام إلى درجة أن تعلن أن حلفاء النظام (تعني نفسها ووكيلها اللبناني على الأرجح) لن يسمحوا بسقوطه. ومثلها في العزم روسيا.من المؤشرات المشؤومة أيضاً معلومات متواترة عن محاولة النظام تسليح مسيحيين وزجهم في حربه، وهو ما يبدو أنه يتسبب في انقسام الوسط المسيحي، وقد يتسبب في انفضاض أكثرية المسيحيين عن النظام. وهناك أيضاً معلومات عن تسليح قرى علوية، وهو ما يحتمل أن يواجه بمقاومة متصاعدة أيضاً، بخاصة حين يعم اليقين بقرب سقوط النظام.كل هذه الملامح والتطورات تعطي انطباعاً بأجواء النهاية
منذ استكلاب النظام الأسدي على الثورة السورية وإلى الآن ، استكلبَ ونبحَ وعضَّ معه بعض الأنظمة الاستبدادية التي تتلاقى معه من الناحية الــ" مصلحية " داخل الشرق الأوسط وخاصةً في سورية ، وتلك الأنظمة قاطبة ً نعرفها منذ استلام النظام القمعي مقدرات الوطن على كافة الأصعدة أنها عقدت معه صفقات معلنة وغيرها سرّية تنص على المصالح السياسية والاقتصادية وفرض القوة على شعوب تلك المنطقة لاجتثاث الأصوات الصارخة ضدها في الداخل والخارج، والتي تعمل على بناء حياة حرّة لأبناء أوطانهم