ولم يقتصر واقع التدخلات على الدول، فاندفعت جماعات الإرهاب والتطرف للتدخل في الصراع السوري، سواء بمبادرة منها، أو نتيجة تشجيع ومساعدة من دول، رأت أن حضور تلك الجماعات في الصراع يخدمها ويعزز موطئ قدمها على مسرح الصراع، ويقوي أوراقها فيه، بل إن بعض الأطراف المتدخلة أسست وأدارت جماعات تتبعها بصورة كلية، أو دفعت بما لها من جماعات للدخول إلى سوريا، والانخراط في صراعها.
ما يثلج الصدر أن أربعة من الشباب الأحرار هم من صنعوا هذا الإنجاز الذي حقق نجاحًا دوليًا متميزًا، وهم المنتج بسام معلوف، والمخرج الكاتب والممثل عروة الأحمد، والممثلة آنا شقير، وأولًا وآخرًا هو كاتب الرسالة، ذلك الشاب الذي كتب الرسالة، ثم لم يحقق حلمه في الوصول إلى بلد حر، لكن رسالته صنعت فيلمًا جال العواصم، وأوصل صوته للعالم.
وقد تعددت أشكال العنف بتعدد الغايات المستهدفة منه وبتعدد هوية مستخدميها، مثلما تعددت طرق الإعلان عنه وتسويقه. أما المبررات فلم تكن تقدم إلا في صيغ دعائية دينية أو أيديولوجية أو الاثنتين معًا، حيث كانت كلها -بلا استثناء- أقرب إلى السذاجة في مرجعيتها الدينية، أو إلى الكذب الصراح في مرجعيتها الأيديولوجية “النضالية”.
إخفاء توما لقلقه لم يكن يعني له امّحاءه وتبدّده. كان يُدرك أن هذا القلق -لو ظلَّ كامنًا- سيُعذّبه، ويقضّ مضجعَه، وينال من صفاء قلبه، كما الحال لدى البشر أجمعين. ولذا أصرَّ على أن يبوح ويجهر ليكون مثالًا وعِظَة للصادق وليس للشكَّاك. للصادق مع نفسه، والصادق مع معلّمه، والصادق في إيمانه؛ حتى ولو كان الثمن باهظًا، وهنا تكمن محنته الكبرى.
برزت الاغتيالات السياسية مع ظهور السلطة السياسية، وأصبحت مع مرور الوقت أسرع وأبسط وسيلة لإحداث التغيير السياسي. وفي كثير من الأحيان، ينظر من يقوم بعمليات الاغتيال إلى فعلتهم، كواجب تبرره حجج أيديولوجية، إذ يصور الضحية كطاغية أو كمغتصبٍ، ويصوّر قتله فضيلة لا جريمة، ومثل هذا التبرير الأيديولوجي للقتل قد يُعبّر عنه بصيغ سياسية أو دينية، أو بكلتيهما معًا،
نجحت روسيا، من خلال ذلك، في إعادة أجزاء كبيرة من الجغرافيا السورية إلى مظلة النظام المهترئ سياسيًا وعسكريًا وإداريًا وأخلاقيًا، من دون أن يشكل ذلك عائقًا أمام المجتمع الدولي لرفض طروحات إعادة تأهيله، إذ يجد كثير من أصدقاء هذا النظام وأعدائه أن هناك ضرورة لبقائه كفزاعة طيور، لتمرير مصالحهم
بعد أن مضى على قيام الثورة السورية -ثورة الحرية والكرامة- ما يزيد عن خمس سنوات، تجد هذه الثورة اليوم نفسها في مواجهة مجموعة من المآزق، التي تُهدّد بضياع كل التضحيات المبذولة من السوريين في سبيل تحررهم، وتُحوّل دماء الشهداء ومآسي النزوح وكوارث اللجوء ودمار البنية التحتية وتعريض البلاد إلى مخاطر التقسيم، إلى شيء من العبث أو ما يشبه العبث.
في عام 1986، زارني في مكتبتي بحمص مُدرّس للأدب الإنكليزي، حاملًا بيده مجلة أميركية، فيها مقال عن سعي “إسرائيل” لتغيير أخلاق المجتمع السوري. كان المقال يتحدث عن لعبة إسرائيلية تم بموجبها نقل أكثر من ثلاثين ألف جهاز فيديو إلى منطقة الحدود اللبنانية – السورية، وبيعها بسعر رخيص جدًا مقارنة مع الأسعار الأصلية، وكانت “إسرائيل” تعرف أن أغلبية هذه الأجهزة ستدخل تهريبًا إلى سورية. وقد تمّ فعلًا دخولها إلى سورية، حسب الجريدة.
من الإنصاف، لم يكن حافظ الأسد ساذجاً أو مقامراً، ليرمي بابنه وآله وصحبه، إلى هذا الاختبار المعروفة نتائجه سلفاً، ما يعني، تحليلاً، أن الأب المورث، اعتمد على إمكانية تعلّم الوريث بعد وفاته، وخاصة أنه أوصى به أهم "رجال الدولة " من قبيل مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام ومحمد ناصيف وغيرهم.
يعلق بغدادي على هذا المقطع الختامي لقصيدة الجرادي بالقول "بهذه الخاتمة المفجعة يقفل الشاعر الكبير حقاً الباب على عرب هذا الزمان وعلى شاعرها المشهور جداً محمود درويش بطل قصيدة: "نجمة الإسفلت". ولا يفوته، إمعاناً في النيل من الشاعر الراحل، التوضيح "والنجمة هي محمود درويش، أما الإسفلت فهو العالم الفاسد الذي انتمت إليه هذه النجمة".