من أوليات المعرفة النقدية أن ننحّي جانبا معرفتنا بواقعية هذا التفصيل أو ذاك من أحداث رواية ما، ونحتكم إلى أن تلك الأحداث هي من نسيج مخيلة الكاتب. مع ذلك، وعلى رغم اقتناعي بصوابيّة هذا المفهوم النقدي فقد وجدتني في موقف مختلف وأنا أتابع سطور كتاب "بوح"
(منشورات دار الآداب – بيروت – 2009) للفلسطينية ليلى حوراني، بسبب معرفتي الشاملة بكل السرديات التي روتها المؤلفة من حياتها وعنها، والتي تابعتها، وكاتبتها بعد طفلة في أعوامها الأولى كنت أراها في بيت والدها صديقي الكاتب فيصل حوراني.
اللعبة بدت لي أكثر صعوبة، ومعرفتي بتلك الأحداث والتفاصيل أضافت الى الكاتبة الشابة عبئا آخر: أن تقنعني بأن تلك "السيرة" الحقيقية والبالغة الواقعية، قد وجدت طريقها إلى صفحات الكتاب بفنيّة قادرة على نقلها من خانة المرويات، إلى مقام
قصائد قدت من النار , النار التي ترتقي إلى الأعلى وهي رمز الإندفاع , والعروج الأبدي , لتبدو خفيفة كالهواء , وهي سباحة خالدة في الفضاء
اللامتناهي , تحمل طيف الذاكرة , وريح الهجر وهي تبدو دائماً مضطربة , في صعود وهبوط لا يتوقفان . ليبدو الشاعر بحزنه وهيامه , ولواعج شوقة كالصوفي الذي يبحث عن الحقيقة المطلقة وكلما اقترب منها اكتوى بنارها , فيعود إلى أرضه التي تبدو كتلة رمادية يشوبها السواد , فيرتد باحثاً عن البياض البعيد في عالم المثل والطهارة .. بعيداً عن الوحل والطين .
إنها نار الهجر , ولواعج الشوق التي يرتقي دخانها في السماء وجذورها عالقة في الأرض , فلا وطن للشاعر , ولا يقر له قرار ,
الشاعر السّوري الشاب مروان علي يبدأ مشواره مع الشعر من نافذة الاغتراب، ووحشة الحنين إلى الأرض القديمة. هو يكتب من مكانه القصي عن مسقط رأسه القامشلي في الشمال الشّرقي السوري، حيث يعيش في أمستردام، فيقدم باكورته الأولى "ماء البارحة". قصيدته تنهل من كل ذلك، فهي تمزج الذّاكرة بالرّاهن، والمشهد الغريب بملامح البيوت القديمة وما يشيع منها من حنين يعصف بالرّوح، ويبعث الحياة في الذاكرة.
في "ماء البارحة" (منشورات الغاوون بيروت 2009) نقف على تجربة شعرية أولى تغادر منذ البداية عتبة البدايات وعثراتها فصوت مروان الشعري يحتدم في مشاهد شعرية بالغة الشفافية.. مشاهد تعكس عوالم وجودية ناضجة الحضور وذات ألوان زاهية، هي بالتأكيد
عند العتبة الأولى في روايتها " أوجاع الذاكرة" الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق/2008، ترصد الكاتبة الجزائرية جميلة طلباوي حالة النزف الإنساني عند ذهول اكتشاف الحقائق، فتبحر في ثنايا الذات في حال التداعي والتشظي، بالتقاط ترددات وأصداء حكاية تحدث كل يوم في مجتمعاتنا العربية, نتيجة لتغلب حسابات العقل الصارم على حاجات الروح ومتطلبات العاطفة، عند تكوين الأسرة، واختيار شريك الحياة، فيطفو التناقض المخبوء خلف ستائر التجمل والتبرير على السطح صراعا قد يقود إلى الانفصال، أو يزيح الحياة إلى منطقة اللايقين الرمادية الزاحفة نحو السواد، مما يطبع التجربة على مرايا مهشمة لا تعطي للصورة ألقها الأول..
في عمل محمد برّادة الأخير «حيوات متجاورة» (دار الآداب ، بيروت، 2009) ما يوحي بمحصلة مسار كتابي وبقول إنساني «أخير». تصرّح المحصلة بخبرة كتابية عمرها أربعون عاماً تقريباً، مرّ فيها هذا المثقف المغربي على المقالة والرواية والنقد الأدبي، وتآلف مع «جيل الستينيات»، كما يقال واندفع أماماً، بحرص شديد، إلى كتابات الأجيال الأدبية المتلاحقة. وجاء القول الأخير من إنسان تمكّنت منه الشيخوخة، وأجبرته على معاينة ما عاش وتسجيله في «رواية» ، حيث لما كان حنين يلتفت إليه، وأسئلة لم تصبح متاحة إلا بعد حين. يجعل هذا من رواية برّادة سيرة ذاتية كتابية، تكشف عمّا تعلمه وتحاول السيطرة عليه، بقلق نجيب واستسلام حزين معاً، وسيرة ناقصة الفصول لإنسان « بطل الرواية» صنع سيرته من سير متقاطعة، فالإنسان المكتفي بسيرة ذاتية محضة لا وجود له. ولعل هذا التقاطع، الذي يأتي إلى الإنسان ولا يذهب الإنسان إليه، إلا صدقة، هو الذي يحوّل حياة الإنسان إلى مرايا ،
تدور أحداث العمل الروائي وفق منهج سردي يتداخل فيه الرمزي والأسطوري بالواقعي و الخيالي، و الغرائبي والعادي اليومي. حيث تتم الإشارة إلى أماكن بأسماءها المعروفة كمدينتي القصر الكبير و العرائش. و أحيانا أخرى يعمد الكاتب إلى عدم تحديدها، فتصبح هلامية تتناغم مع المناخ العام للرواية التي تمتلئ بالأجواء الغرائبية. أما الزمن الروائي للرواية فغير محدد يجعل القارئ يشاغب في الأسئلة عن الزمن الذي يمر به كل حدث من أحداثها .
و لعل العنوان الشامل الذي اختاره الكاتب لروايته "الخوف، فان امتاز بشدة اختزاله ،فهو يحمل في طياته معاني و أضداد في العمق محتملة التأويل و التفسير والملاحظة، فهو في الحقيقة اسم لغريزة إنسانية و حيوانية قبل كل شي ، هذا الاختيار ، بقدرما يثير الدهشة لدى
متأملا يبدو حازم عبيدو من خلال إصداره الشخصي الأول " تتناوبين على بريق المعدن" ويظهر ذلك من اختياره لهذا العنوان شديد الإيحاء، والذي يعطي للخيال مجالا واسعا ، وقراءات مختلفة لعناصره التي لها علاقة بالحب وتجلياته ومباهجه التي لا تنتهي.
وحازم هو شاعر آخر ينضم لقافلة شعراء " سلمية" هذه المدينة التي قدمت للحركة الشعرية العربية والسورية أجمل الشعراء كمحمد الماغوط وعلي الجندي وفايز خضور وسليمان عواد واسماعيل عامود وحسين هاشم وسواهم.
إن القارئ للمجموعة سيلحظ أول مايلحظ ، هذا التدفق العميق للجملة الشعرية المغلفة بالغموض الذي ربما يتقصده الشاعر ، أو هو نتيجة لركيزة ثقافية تمثل هويته الخاصة، لكن ومضات الشعر وجذواته ، تطلق العنان كلما تسنى لها ذلك:
غداة صدور كتاب الأدبية الإيرانية بالإنكليزية أذر نفيسي الجديد «أمور صمتُّ عنها» في الولايات المتحدة والترجمات العالمية التي رافقته للفور، صدر كتابها الشهير «قراءة لوليتا في طهران» مترجماً الى العربية. ربما تأخرت دار «الجمل» في ترجمة هذا الكتاب الجميل الصادر عام 2003 والذي ترجم الى أكثر من ثلاثين لغة، لكن قراءته اليوم، خصوصاً بالعربية، لا تزال راهنة جداً وكأن الأعوام الستة التي مضت على صدوره زادته فتنة. ولعل قراءته اليوم تضاهي قراءته بالأمس وفي السنوات المقبلة ما دام يخفي في ثناياه الكثير من الأمور المجهولة أو الخفية التي غالباً ما يتم السكوت عنها.هل سيلقى هذا الكتاب الفريد رواجاً لدى القراء العرب مثلما لقي رواجاً هائلاً في أميركا والعالم؟ حتماً سيلقى رواجاً عربياً وسيكون له صدى في الأوساط العربية
إن تحميل نص شعري جغرافية مكان/حياة ما وتتبع مسارد وعي الشاعر لها ومساءلة الذاكرة بشكل زمكاني بحيث يعاد تأصيل الكلمات / الحياة من خلال تبادل حلولية برزخية بين الشاعر وما يقوله وبين الدال والدلالة , يحتاج نصا يفيض عن ذاته دون نقصان وشاعرا صقلته التجربة بحد هو ذاته جرح نفسه."حيث السحرة ينادون بعضهم بأسماء مستعارة" تكاد عُمان الشاعر سيف الرحبي تخرج كشاشة عرض سينمائي من بين صفحات كتابه الموسوم بما قدمنا , ولكن ببعد ثلاثي حيث الكلمة هي العمق" محور العينات" الذي يخصب الطول والعرض" محور السينات" بالماضي والحاضر والمستقبل , فتكتمل الرؤية بالنص الجغرافيا وتتجلى الرؤيا بقراءته لهذا السفر في التضاريس والتفاعل معها.
أهدى الشاعر محمد حلمي الريشة كتابه الجديد الذي أصدره مؤخرًا بعنوان "مرايا الصهيل الأزرق- رؤية. قراءات. حوارات" إلى قصيدته/ أنثاه "إلى نارها الفاتنة.. حرقني بحنان"، والذي وقع في (400) صفحة، جمع فيه العديد من القراءات النقدية لأعماله الشعرية الأخيرة التي أنجزها شعراء ونقّاد وكتّاب، وكذلك العديد من الحوارات التي أجريت معه، إضافةً إلى تصديره الكتاب بـ"رؤية" تحت عنوان "الشعر لحوار بين الحضارات"، هي عبارة عن دراسة تتعلق بأهمية ودور الشعر في حوار الحضارات ، منطلقًا من أن الشعر هو حالة إبداعية غير مسوَّرة بجغرافيا أو جنسية أو قبلية ...الخ