و عرفت رساما... بيده سكين، كان يحرس ملجأ للفقراء. و في اليوم التاسع عند الفجر
سمع خبطات على الباب. فتح الباب و شاهد شخصا بشريا
مجللا بالغبار و يبسط ذراعيه الضخمين و يقول بلغة روسية، ببساطة مع ابتسامة:
" أنت تعرفني!".
لم ينس صورة عجوز، كانت مهتاجة، و تركتها دبابة
سوفييتية كبيرة
لكن اقتلعت من الطريق كل شيء حتى الحصى الضئيلة!.
لا بد أنك متعب. ذلك العجوز مجنون. كيف خطر له أنه بمقدوركما النكاح هنا؟. انزلقت يدها على مؤخرة الصبي. قال همسا: إنه ليس خطأه. أضافت لورا: لقد نسي الولد المسكين ما هو السرير. و ما هي الثياب الداخلية النظيفة. من الأفضل له أن لا يرتدي شيئا. قلت: نعم. هذا مريح له أكثر. قال الصبي: أقل غرابة، و لكن أليس من المناسب أن ترتدي السراويل الداخلية البيضاء النظيفة؟. الضيقة و لكن ليس الضيقة جدا. ضحكت أنا و لورا. وبخنا الصبي بهدوء قائلا: لا تضحكا، هذا شيء جدي. كان يبدو أن عينيه ممحيتان، عينان رماديتان مثل الإسمنت تحت المطر. قبضت لورا على قضيبه بكلتا يديها و جذبته. سمعت نفسي أقول: هل أطفئ البخار؟. و لكن الصوت كان خافتا و بعيدا. قالت لورا: أين بحق اللعنة ينام مديرك؟. هز الصبي منكبيه. و قال همسا: أنت على وشك أن تضريني. بيد واحدة، أ
وجسدانا ، متماثلان ، لكنهما مختلفان
والماضي الذي يئزّ في عروقنا
محمّلٌ بلغةٍ مختلفةٍ ، بمعانٍ مختلفةٍ –
مع أن أيّ سجلٍّ للعالَم الذي نقتسمه
سيُكتَب بمعنىً جديدٍ
نحن كنا عاشقينِ من جنسٍ واحدٍ
كنا امرأتَينِ من جيلٍ واحدٍ .
وتنأى القصيدة عن كلاي فليس فيه شيءٍ من هذا، وهو في رياضته لا ينفي أدباً أو شعراً وليس له من السلطة على أحد، ولكن الشبيه يستدعي الشبيه، فقد قام مجد هذا الملاكم على قوته، على عضلات يديه التي يسحق بها خصمه فينال المال الوفير، وينال اعجاب الناس وتصفيقهم، وليس الناس بإعجابهم على حق من الرأي، ولقد قام «مجد» الطاغية على قوة هوجاء حمقاء لا تتجه إلاّ إلى الدمار: محاربة الفكر، إماتة الشعر، إشاعة الرعب، تجفيف منابع الحياة، والملاكم في حلبة الملاكمة يستدعي الطاغية وهو يمارس طغيانه، وكان على الرسالة أن تصل وأن يزداد وعي الناس بها.
وَحِيـنَ يَأْتِـي الْحُلْـمُ
لِيَنْشُرَنِـي وَيَحْمِلَنِـي
إِلَـى صَمْتِـي
تُوجَـدُ رِيـحٌ كَثِيـرَةٌ بَيْضَـاء
حصل ريشارد بلير بعد سبعة و ثمانين عاما في الوظيفة على ترقية من صفة عميل مساعد لترويج المخدرات إلى صفة نائب عميل ( و هي الرتبة الأولى). و قد أشار ميشيل شيلدين إلى تجارة الحشيش على أنها " إحدى أسوأ الصفات الشيطانية في تاريخ نظام المستعمرات البريطانية". و كان كلما تقدم أورويل بالعمر في إيتون في هذا الجو المتميز و الذي تتوفر له الحماية، كانت تنتابه الشكوك حول إنسانية دور والده في النشاطات الإمبريالية الواسعة. و مع ذلك، و مهما كانت الأفكار التي تشكلت في ذهنه، لم يعدم الطموح و هو يغادر إيتون أن يأمل بالانضمام لهذه الوظيفة. و بلا شك إن والديه، اللذين ينظران للوظيفة المدنية في المستعمرات على أنها ذات مردود و جاه لا يمكن إنكارهما، قد ساعدا على تثبيت و فرض الفكرة الرومنسية عن طبيعة أورويل الشاب.
في الأربعاء التالي لم يرد دافيد حينما قرعت الباب. قرعت مجددا و سمعت صوتا. كان الباب غير مقفل، فدفعته و هكذا انفتح أمامي. رأيت دافيد على السجادة، و رأسه فوق دعاسة الباب. و هو يبكي. و قد وضع كلتا يديه فوق رأسه، ليخفي نفسه. اقتربت منه و وضعت يدي على ظهره. كان أكبر مني بمرتين، و لكن كتفيه ضيقان مثل ولد صغير. و كان شعر رأسه مقصوصا بأناقة، مثل الأطفال. سألني:" هل تشعرين بشعوري؟". و وضع يديه على صدره و قال:" لقد مات". و سقطت دموعه على حضني و تابع يقول:" لقد مات، لقد مات". ثم رفع عينيه نحوي و قال و هو ينوح:" هل تفهمين؟".
كنت متعبة و منقبضة القلب في تللك الليلة، و أنا في الفندق، لذلك خرجت إلى الشارع و جلست في بار بالجوار. و مع أنني توقفت عن التدخين من شهور مضت حاصرتني شبكة من خيوط الدخان. ثم اقترب مني رجل أمريكي لا أعرفه و قدم نفسه لي و انضم لمجلسي. إنه مايكيل. و معا أنا و مايكيل راقبنا كيف كانت الأمسية تأخذ مجراها في الميدان أمامنا. و لمحنا رجلا يعرج و يشاحن صديقه الذي واصل التقاش معه ليقنعه بالتوقف عن الشراب، و العودة للمنزل. و انحدرت امرأة في الشارع بحذاء له كعب عال و ببذة رمادية، و كانت تشتم. و قالت صديقتها للغرباء المحتارين من سبب الشتائم:" لقد كانت على متن القطار". و رفس رجل نافذة شقته. فحضرت الشرطة في لمح البصر و دعته للصمت و الإخلاد للسكون. و وقف زوج كانا بنصف ثيابهما في نافذة مفتوحة فوق مطعم للبطاطا المقلية و السمك.
لماذا الكستناءُ تظلُّ مثلَ النساءِ الجالساتِ على رصيفٍ ؟
هو العُـمْـرُ
الذي وهَـبَ ارتفاعَ الأغاني ، ثمَّ أوشكَ ...
أيُّ معنىً سأسـألُـهُ ؟
كأنّ يداً تهاوتْ على شفتي
وقالتْ : أيّ معنىً ؟
وفي حانات لندنَ ، كان شخصٌ يتابعُ خطوتي ؛
وأنا بريءٌ :
قال:" أعلم". و أظهر القليل من العاطفة. ربما التعاطف، و لكن ليس الدموع. وقفنا مجددا صامتين، و لم أعرف ماذا أقول غير ذلك. ثم نفخ البوق مرة ثانية، فنظر إلى الخلف، و قال:" علي أن أغادر. وداعا، يا أخي الأصغر". و تردد، ثم اقترب و لف ذراعيه حولي، و بقوة. شعرت بخده يضغط على خدي بينما كنت أعانقه بالمثل. قال:" أصغ لي، الحياة قصيرة، لذلك افعل ما بدا لك، هل أنت معي؟". هززت رأسي، فانسحب و عاد إلى السيارة.