-- ويمضى ..صامتا يفتش صفحات الطبيعة - أعظم كتاب مقدس - يسأل عن إجابة السؤال – ويأخذنا الكاتب في رحلة شغفه الحثيث بالمعرفة وراء اتساق الحياة مع نفسها حيث عيون الكائنات لطيفة والأغصان ترقص بفعل الحب ، فهي الغابة الممتدة أفاقها إلى ابعد من ارتفاعها، تصنع من أوراقها هيكلا مقدسا لاتحاد الكائنات فثمة حاجة غامضة تنتاب كل الكائنات التي تشاركنا ونشاركها الشغف الفطري
إنها لم تهتم مثل الغيطاني بالتأمل و عالم اللاشعور. وبالنشاط النفسي الصامت. و أسرارية عالم الشخصيات المنطوية على نفسها المتحصنة بالظلام و اللأدرية. لقد كانت في تراكيبه دائما نوايا مبيتة ليس من السهل الإقرار بها. حتى أن الفاعل الموجود هو نواة لخطط و مكائد مدبرة لا نعرف عنها شيئا. و لذلك بالكاد تتجاوز درجة سهولة القراءة لديه المعدل ( حوالي ٦٠ بالمائة).
رغم قراءتي للنص عدة مرات لم يكن الدخول إلى الغابة بالأمر الهين ، فقراءة الغابة شيء والدخول إليها شيء آخر يختلف ،على باب الغابة علقت لافتة كتبت بخط يد الشاعر ( احتاج أحياناً لمن يشتمني..!!) لا بأس ،دعوة واضحة وصريحة – دعوة هي لإثارة الجدل ، احتاج لمن يثير عقلي وتفكيري ، نحتاج لمن يقرأ ويفهم ، نحتاج لمن يغالط ما نكتب، يرفض ما ندون ،يناقش ما نطرح ، فا لرأى الواحد ليس سوى عطن نعتقه لأجيال أخرى ،
إن الأساليب النسوية في الكتابة بعيدة عن السلوك الإنتحاري. و لو أرادت المرأة أن تقتل نفسها تفعل ذلك بشكل وديع. أن تلقي نفسها تحت عجلات قطار ( آنا كارنينا ) أو تغلق باب بيتها و تنتحر باستنشاق الغاز ( سيلفيا بلاث - و هذه نهاية حقيقية ). و لكن نادرا ما تفتح النار على الأعداء في الجبال و بين المرتفعات ( كما فعل همنغواي في لمن يقرع الجرس).
هنا أتوقّف، فلا جرأة عندي علي المواصلة، فجدّنا كان أجرأ في زمنه منّي في مطلع القرن الحادي والعشرين، وأنصح من يرغب في الاستمتاع، والضحك، والظفر بمعلومات لم يسبق أن سمع بها، بقراءة الكتاب، وأراهن أنه سيقرأه ويستعيده مرارا، لا ككتاب (بورنو) لا سمح الله، ولكن كدراسة رصينة لأمراض اجتماعيّة، ما زالت مستشريّة في زمننا، في زمن العولمة، وازدهار تكنولوجيا المعلومات، في زمن الكمبيوتر والإنترنت!
لم يتورع جمال الغيطاني عن توظيف كلا الأسلوبين في نسيج محكم لبنية واحدة. فبالمشاهدة وضعنا في مواجهة خطوط العزل كالجدران و الأسوار و المباني المرتفعة الشاهقة و بالنشاط النفسي قفز من فوق هذه الحواجز و ترك للنفس حرية التجوال في عالم لا حدود له، سواء كان كابوسا مرعبا تقشعر له الأبدان ( ذكر ما جرى و حكايات المؤسسة مثالا) أو حلما أخضر يدعو للتفاؤل و يشجع على الانتظار ( الزويل مثالا).
قلنا إن الشاعر من غزة. ورغم أن أجواء غزة واضحة في القصيدة، إلا أن ناصر رباح لا يحاول هنا أن يقول ذلك. حسناً، لكن ماذا بمستطاعه أن يفعل وقد فضحته القصيدة؟ إنه نتاج القصيدة ومنتجها في آن ــ كما سبق أن ألمعنا ــ أنتجها بلغته، وأنتجته بعالمها المهشم الذاوي، المحاصر، المملوء بالشهوات المسروقة، كما يسرق الخيطُ الناعمُ حبةً في مسبحة لاهية.
مثلا إن الاهتمام بالمكان و الزمان الثابت يرفده اهتمام بالمشاهد و المناظر الطبيعية المنبسطة التي لها دلالة ملحمية مثل قصور و مساجد المماليك بزخارفها التي لا تفنى و الاي تشبه الصلاة و التراتيل ذات النبرة الثابتة و المتكررة. و هذا يفترض وجود شخصيات بسيطة متصلة بالبيئة الحاضنة. لا يؤثر بها توالي العصور و السنوات. إنها أرواح حارسة تعمل من فوق الواقع و تعتبر جزءا لا يتجزأ من عقيدة المكان و رهبته و خشوعه.
لم تنتج الثقافة الرافدينية كتاباً مقدساً من شأنه تنظيم وتنميط الحياة الدينية في المجتمع, وسن قواعد أخلاقية تحكم سلوك الأفراد والجماعات, إلا أنها رسمت من خلال أدبياتها الغزيرة منظومة أخلاقية متكاملة, عبَّرت عما تمتع به إنسان الشرق القديم من حساسية خلقية مرهفة, وتمسكٍ بقيم الحق والخير والجمال. وسبيلنا إلى تلمس هذه المنظومة هو تتبُّعها في نصوص الصلوات ونصوص الحكم والوصايا بشكل خاص, وهذا ما سوف أبْسُطه فيما باختصار لا يغني عن إطالة:
«الرابطة السورية للمواطنة» الناشطة بين دمشق وبيروت:
أن نسترد سوريا الجميع... لا «سوريا الأسد»
وأسألُ، ماذا عن الظواهر الثقافية الجديدة، في الفن التشكيلي مثلا؟ ويجيب حسان: من الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون، بمن فيهم بعض الباحثين، أنهم يظنون أن التراث هو
الموروث الثقافي، التراث هو الموروث والمُعاش،