مائة و خمسون يوما و الصورة تسيطر على المشهد،، سواء على الأقنية الفضائية، أو على مواقع الانترنت، أو الصحف اليومية، صورغالبا ما التقطت بكاميرا الهاتف المحمول، صورة طفل مطعون يصرخ، أم تولول محتضنة رضيعها الذي مات، و امرأة تستغيث مما أصاب شقيقها من قتل و تشويه، شباب يتدحرجون على الأرض، فيما الدم شقائق الحيرة و الوجع، مآذن تتطاير، و مغني مذبوح يتردد صدى صوته :" و الشعب بدو حرية".. صرخة تخترق الجبال و الوديان...و الحدود أيضا..."جايين من عتم الزنازين من قلب ها الأرض طوفان جايين"،
عالَ إليّ حبيبي. أخافُ على الأرض، والأبجدية
تعالَ. أسمعُ نداء الأبناء يصرخون: " الله أكبر "
ثوبي الطاهر تلوّثه أيدي تلك الكائناتِ الغريبةِ.
أبناؤنا. يصرخون مرةً أخرى: "حرية "
أتيتُ لأفديكم. أحرسُ أبوابَكم. أصرعُ الغزاةِ، وأحميكم.
لبيكِ لاذقيتي. جلنار. حبيبتي. عدتُ إليكم.
منذ بداية الإحتجاجات في بلدنا سورية, وخروج المظاهرات المطالبة بالحرية و الناس منقسمون, فأنت تسمع و ترى بالشارع و مكان عملك, في الباص..في الميكرو ..في التاكسي..في السوبر ماركت..في المقاهي ..في البيوت..في أي مكان ترتاده أو تمرّ به نقاشات و جدالات و خصامات, و الجملة القصيرة التي تختصر كل ما يجري ( أنت مع أو ضد ) مع السلطة أو ضد السلطة؟ تسمعها بشكل واضح و جهوري و ليس همساً أو لمزاً, فهذا موالٍ للسلطة و ذاك معارضٍ لها, هذا صامت و ذاك معتدل الرأي, هذا مع الحوار و يؤيده بكل ثقله و يراه السبيل الوحيد لإخراج البلد من أزمته بينما الآخر يرفضه رفضاً باتاً
أنتَ حُرٌّ في دِماءِكَ يا ابن المشيئة. اخترْ!: الدمُ كَقضيَّةٍ أم كَطُعمٍ لديدانٍ تحتَ الأرضْ؟. أسفلُ الأرضِ لا يَحتاجُ إلى دَمكَ كي تنبتَ وردةً فوَّاحةً، الوردةُ سَتنبتُ إن رويتَ فوقَ الأرضْ.
سأعلَمُ أنَّه لا إله يُومَضُ كَشرارةٍ في ذهنٍ، ما دمتُ غائباً عني حاضراً في الآخر. (فليتعلَّم الدمُ من الدمْ). سأعلَمُ أنَّه لا أحَدَ يُقامِرُ بي في ساحتي _ نَفسي، مِن غيرِ استئذان.( فلتَكُن مَشيئتي وَعياً). سأعلَمُ أنَّه لا بَحرَ يَقذِفُ بي إلى البرِ، موجةً موجةً، مُصادفةً.( فلتكُن الحقيقةُ مُرشدتي). سأعلمُ في النهايةِ أنَّ الأرضَ ساحةٌ للسائبين!.
لعلّي أكتبُ هذا النص، بسبب أخبارٍ عن أصدقائي، هي ليست الأولى من نوعها، لكنها قد فعلتْ فعلَها بي. حيث أنني كنتُ قد سمعتُ سابقاً عن أحدِ أصدقائي قضى تحتَ التعذيب، وقد رأيتُ بأم عيني أحد الأشخاص الذين أعرف يموتُ تحتَ ضرباتِ العصي في الشارع، وكان قد صُور هذا المشهد وقد شاهده الناس جميعاً في القنوات الإخبارية. لكن كلّ هذا لم يجعلني أحنّ إلى أشخاص مثل الآن. كنت أقول دائماً بأنّه ثمن الحرية التي يجب أن ندفع، وبأننا سنفقدُ أشخاصاً من حياتنا. لكن اليوم ماذا عساني أقول، وأنا أفتقد رودي عثمان؟ ذلك الشاب الجميل، المملوء بالحب والإنسانية. رودي يا ابن أمي كم أفتقدك.
أتذكر الحملة الشرسة للعودة إلى الحجاب عند النساء, وتكاثر الحلقات التعليمية الدينية, ( وقد رأى بعضهم أنها جاءت رداً على إقدام صبايا مظليات رفعت الأسد على خلفية أحداث الثمانينيات على خلع حجاب بعض السيدات في دمشق) – وهنا لابد أن أسجل رفضاً قاطعاً لذلك التصرف الغبي المتعجرف- ثم سأتذكر ما لفت انتباهي ذات يوم وأنا أرى سيفاً ذا رأسين يزين صدور شباب وصبايا من طائفة لم أعرف لها قبل ذلك رمزاً كهذا...
إنه البحث عن هوية, وإثبات الوجود ولكن ليس عبر الفعل في الحاضر, بل عبر التمسك برموز دينية ماضوية لطالما أثارت البغضاء والتكفير.
وكان الذي حدث.. أنني شوهدت أنحني للبلاد التي أنجبتني.. فأومأ لي البحر لأن أشربه.. فشربته.. وحين انتهيت.. سجدت.. وكانت الركعات بعدد الرؤى.. فوضعت البلاد فوق ظهري .. ومشيت ممتلئة ببحري الذي منه غرفت.. فأنا من خطفني.. حين وقفت أجادل الصباح عن توأم الضوء فيه.. وأنا من ردّني.. حين أطلقت من بين أصابعي.. نغمة الكمنجات.. التي بها صعدت..
وكانَ يا ما كان : جيلٌ لم يبلغُ سنّ الرشدِ بعد . هو جيلٌ من الفتيانِ . كانوا من الدفعةِ الأولى في مدرسةِ تحرير عقولنا .
أجسادنا منكمشةٌ . ترغبُ في الاختباء . أرواحنا تسابقهم في معزوفةٍ اسمها حريّة الإنسانِ والعباد .
تحقّقت الحرية . نحنُ اليوم أحرارٌ . وهل هناك حرية أكبر من الانتصارِ على الخوف ؟ هؤلاء الفتيان نضجوا . كبروا في ليلةِ ظلمٍ وتنكيل . توزعت أرواحهم على الدنيا . هبّ الرجالُ والنساءُ والأطفالُ ليقولوا : كلّنا أحرارٌ اليوم .
اضطررت لذكر الرقم لأتكلم عن ظاهرة غريبة منتشرة على صفحات الفيس - بوك.فمن أصل ستمائة صديق يوجد قرابة خمسمائة منهم ( شعراء ) أو يعتبرون أنفسهم كذلك، و يتصرفون على هذا الأساس، ويعتمدون صفحات الفيس - بوك كدفتر لعرض مكنوناتهم، و هذا الدفتر ليس دفتر مبيّضة كما كنّا نسميه في المرحلة الابتدائية بل مسوّدة..... كيف ؟؟؟ بمعنى أن أي خاطرة شعرية - إذا سلّمنا أن هناك شيء من الشعر أصلاً -تخطر لهم، يسرعون بتدوينها و بثها على صفحاتهم ليتلقوا المديح و الإطراء و التمجيد. أغلبهم لا يكترث بما يدور في العالم من ثورات و اعتقالات و سفك لدماء الشهداء أو المطالبة بالحرية،
الى جميع الخائفين من اسلامية الثورة ..
إلى كافة المعترضين على شعار "لن نركع إلا لله"، فقد أزعجتهم عبارة "إلا لله" في إشارة إلى أنهم لن يركعوا حتى لله... أصدقائي هذه ليست حركة علمانيين ، أو ملحدين، أو غير مؤمنين... إنها حركة شعبية، ثورة شعب، والشعب السوري مؤمن كباقي شعوب الأرض، ومن الرائع أن يقرر أنه لن يركع إلا لله، لا لشخص ولا لنظام ولا لطاغية ولا لأحد.. "إلا لله".. فأرجوكم أجّلوا هذه الحوارات إلى مابعد إرساء الديمقراطية حيث الساحة ستتسع لكل الأفكار والآراء