كان نهارًا لا يُنسى! دعوةٌ كريمة من د. أحمد جابر، أستاذ مادة "الإنسانيات" بجامعة القاهرة، لإلقاء محاضرةٍ عنوانها: "العمارةُ أمُّ الفنون"، على طلاّب الصفِّ الأول، قسم الكيمياء، بكلية الهندسة. خلعتُ عنّي ثوبَ الشاعرة، وبحثتُ عن ثوب المعمارية، الذي نَضَوْتُه منذ سنوات، حيث الصحافةُ والعمارةُ، كلاهما ذو إباءٍ، لا يقبل الشريك، فوجدت الثوبَ زاهيًا لم يزل. صَبيّةٌ صبوحٌ بين صبايا بلون الغدِ المشرق، استقبلنني عند باب سيارتي، بباقة وردٍ، هي الآنَ أمامي في مزهرية فوق مكتبي، وأظنُّها لن تذبلَ مدى العمر! شبابٌ في عُمر الزهر الواعد بكثير الرجاء. يحملون ما يجعلنا نراهن عليهم أن يخرجوا بمصرَ من عثرتها. بادرتُهم بإعلاني حسدي إياهم على أستاذهم د. جابر، المثقف الموسوعيّ، الذي سرَّب لهم حبَّ الثقافة والقراءة والبحث والتأمل وشحذ الذهن. أساتذتُهم الآن أدركوا أن العلومَ
هدر الاسلاميون دمه، وذهب الرفاق الحمر قبلهم الى مايزيد عن هدر الدم، فالرفاق من عبدة النصوص، لايقلون عنفا عن طالبان، الظاهرة الأكثر حداثة بالمعنيين الزمني والذهني من يسار، كل ماأنجزه مكتب لموظف، يخزّن فيه أسرارا، ليست سوى الاسرار على الجماهير نفسها، الجماهير التي يفضل أن يتخصص في (تعبئتها)، بصفتها براميل بيولوجية يخزن فيها الرفاق أفكارا، غالبا ماتأتي قبل التوقيت او بعد الأوان في مطالع الثمانينات، ولنقل في نهايات السبعينيات لنكون اكثر دقة، خرج العفيف الأخضر بترجمة فريدة للبيان الشيوعي، الوثيقة الاولى للماركسيين الشهيرين :" كارل ماركس وفريديرك انجلز"، والبيان الشيوعي اياه، كان نسخة مختلفة ترجمة ونقدا، من حال البيان الشيوعي
بعد أيام قليلة، كانت مهاتفاتٌ لابد ستتمُّ بين الأبنودي والرخاوي والغيطاني والقعيد والمعلّم، لتنسيق عيد ميلاد الأستاذ. ولو عُدنا بالزمن عقدين للوراء، لانضمَّت مهاتفاتٌ من حرافيشَ قدامى: توفيق صالح، أحمد مظهر، ثابت أمين... وإنْ رجعنا بالزمن أكثر حتى 1961، لشهدنا أولَ عيد ميلاد لنجيب محفوظ منذ ولادته عام 1911، أقامه الأستاذ هيكل، لبلوغ محفوظ الخمسين، بحضور أم كلثوم، وتوفيق الحكيم، وصلاح جاهين. أجملُ ما في كتاب "المحطة الأخيرة"، الصادر عن الشروق، أن مؤلفه أخفقَ فيما رمى إليه! حاولَ المؤلفُ أن يسردَ تفاصيلَ "المحطة الأخيرة" في حياة رمز مصريّ كبير، سردًا توثيقيًّا مُحايدًا، إيمانًا منه بأحقيّة كلِّ مصريّ، وكلِّ عربيّ، بل كلِّ مهتمٍّ بالأدب في العالم، في أن يقفَ على آخر أيام عظيم مرَّ على هذا الكوكب. لكن طبقةَ الحياد
فكان الشباك الذي يشبك المعاني السابقة من فرجة وفتحة و.... في مدينة الإنسان, استعاره من آلية الصيد والالتقاط والمنع وزين به حائطه الأصم ومن استقامته واستقامة حائطه واستقامة خطوطه وضع نظارته الشمسية, قضبان متقاطعة تمنع الخارج عن الداخل وبعتمة داخلية تصد بها الرؤية من الخارج , سمح لعين الرأس في الجدار أن تنقل لدماغ الغرفة فسحة الخارج, تنافذ من جهة واحدة , عين استطلاع تصطاد العابر والعاشق وتشوق المحروم من الخروج للخارج ,فتكبر الأحلام لتصاد عينا ضالة ارتفعت سهوا على عين جريئة ماكرة في الظلمة, فكان الحب , والهيام بقمر وراء شباك.الشباك أكثر الفتحات عمرا , ميزة المدينة القديمة , مدينة الأسوار, حيث غرف الحرملكوالحرة والجارية, والخوف من الغريب , حيث البيوت تحتضن دورها في وسطها كقلعة
ذات صباح أطلت مذيعة لبقة من محطة فرنسية حاملة كتاب «كلمات» للشاعر الفرنسي «جاك بريفير» وراحت تقرأ منه بعض القصائد بانسجام يدل على مدى حبها واقتناعها بما تفعل، ومن بعيد كانت تمر صور لحقول يختلط بهاء منظرها بصوت موسيقى ناعمة تشكل مع صوت القارئة تناغماً قلما يجده المرء في تلفزيون الصباح.
عادل محمود، مثله مثل كل المثقفين السوريين، بفارق أنه تعرف اكثر منهم على شواطئ (آيا نابا)، فبات اكثر جرأة في ممارسة العراء، مستفيدا من حقيقة أن من يعجز عن ان يكون سوبر موديل بكامل هندامه، قد يصحى وهو سوبر موديل بكامل عرائه. مآثره في الرواية لاتهمني شخصيا، فمن اتيح له قراءة جورج أمادو لاحقا ، ووليم شكسبير بعمر مبكر، لابد وأنه بغنى عن قراءة عادل محمود كما حيدر حيدر، وبالتاكيد سيكون بغنى عن قراءة خيري الذهبي، وزيادة في (قلة الأدب) عن قراءة أحلام مستغانمي، ودون أدنى شك سيكون بغنى عن قراءة محمود شاهين، راعي الغنم وقد عزف الرواية باعتبارها ربابة.
أكتبُ لكم من الأقصر. تلك المدينةُ الجميلةُ "بالقوّة"، والجميلةُ "بالفعل"، وفق القاموس الفلسفيّ. جميلةٌ هي بقوةِ حقِّها الخاص، لأن لا بقعةً فيها تخلو من أثرٍ من آثار حضارتنا الرفيعة، أرقى حضارات الأرض، ولذلك كانت، ويجب أن تعودَ، عاصمةَ مصرَ. جميلةٌ بالقوة لأن لا مدينةً في العالم جمعت أسماءً شتّى مثلها؛ فهي طِيْبَة، وهي مدينةُ المائة باب، ومدينةُ الشمس، ومدينةُ الصولجان، ومدينةُ النور، وهي المدينةُ التي أطلقتِ العربُ عليها، مع الفتح الإسلاميّ، مفردةً تعني جمعَ الجموع لكلمة: "قَصْر"، وجمعُها: "قصور"، ثم جمعُ جموعِها: "أُقْصُر"، لأنها تزخرُ بالقصور والمعابد، التي تُمثِّلُ ثُلثَيّ آثار العالم، والتي قطعةٌ فقط من آثارها حريٌّ أن تقومَ حولها حضارةٌ كاملةٌ تُدهشُ العالمين. (وحُكمًا، فهذا الجمالُ "بالقوة" ليس وليدَ العدم؛ بل فعله أجدادُنا الفراعينُ العِظام). ثم هي جميلة "بالفعل"، لأن وراءها مُحافظًا
ما الرابط بين الألماني أليكساندر فينز والأمريكي من أصل فلسطيني مالك حسن؟ الجواب كلاهما قاتل. الأول أقدم بعنصرية هائلة ودوافع تعتمد على كراهية الأجانب على قتل سيدة مسلمة مسالمة في مدينة دريسدن الألمانية في شهر تموز من العام الجاري.
كيفك بلُّود ؟ استوقفني هذا السؤال الترحيبي ووضعني في خانة عميقة من التأمل لواقع الحال الذي نعيشه، وجعل من تفكيري لوحة لا ترقى لأن تصل حتى إلى مرحلة التفكير.قال العبارة أحدهم طالباً من الآخر بناء آلاف الجدران بينهما، وفي حين أنه لم يقصد أي مدينة دون تلك أو سار بمفرده دون الحاجة إليه، لكنه تجاهل الآلية التي تتعامل بها كائنات القرن العشرين، وبذلك دهس صاحبنا هذا رأس "مارشال ماكلوهان" مدمّراً قريته الكونية الصغيرة.
قالتِ العربُ الكثيرَ عن الحُبّ. وأجملُ قصائد الحبِّ عربيةٌ. يبدو أن الطبيعةَ الصحراوية، بسكونها وشساعتها وغموضها ورهبتها، بوهج رمالها تحت هجير الشمس نهارًا، وظلمتها الموحشةِ ليلا، إلا من نجوم تنتثرُ على صفحة السماء، وقمرٍ يتوسّطُ جبهتها، مثل قنديل ينتظره المحبّون ليبثّوه أخبارَهم وشجواهم، يبدو أن تلك الطبيعةَ الفريدةَ ساهمتْ بشكل أساسيّ في جعْل العربيّ يستجيرُ بالحبّ الحنون الرغد الأخضر من قسوة الصحراء وصُفرتها. وجعلته، من ثَمَّ، يفتّش في أسرار الهوى، ويصنّفه ويرسم له لوحاتٍ وخرائطَ وجداول، ويؤرشفه ضمن مراتبَ ودرجاتٍ ومستويات. يقول منصور الثعالبي عن مراتب الحب، في كتابه الجميل "فقهُ اللغةِ وسرُّ العربية": إن أوّلَ مراتبِ الحبّ الهوى؛ أي المَيْل، ثم العَلاقةُ؛ أي أن يَعْلَقَ القلبُ بالمحبوب، ثم الكَلَفُ؛ وهو شِدّة الحب، ثم العِشقُ