السماء مرصعة بالنجوم هذا المساء، القمر يهدي ضياءه للعاشقين، ثمة غيمة تتلو دعاء الربيع، قائلة إلهي احم أزهاري ودعها تنشر عبقها، أدعية كثيرة يرددها أهورامازدا، متوسلاً الكلام أن ينتهي عند ضفاف هذا الألم، رحيق يعطر توابل الخوف، وفراشة تتنهد قبل الغروب، فينثر النوروز بهاراً أصيلاً، يرتل الحجحجيك آية الرحيل، داعياً الحجل لبدأ طقوس الربيع واحتفالية اليوم الجديد، النار تشتعل في قمة الأمل.
ليالٍ طويلة عزفت سيمفونية الحجل التائه، الخوف المتراكم في عبرات الأيام، الأنين المختنق بقطرات المطر، ما تزال الليالي تبكي نجوماً سقطت من سماء الألم، الخفاش يلبس جوربه في عتمة كهف الأنين، النجوم ترقص مع القطا، والربيع يبحث عن يوم جديد، هكذا يبيعنا آذار توابله.
آذار بهار، القادم إلى الشمال، الجزيرة المكتوبة بخط عريض في كتاب الأحزان، المطر الخائن لعشيقاته
1-(أنا):
نقطة حبرٍ جديدة أراني، لم توضع فوق حرفٍ ثابت، ومساحة ما متوقّعة، لم تتشكّل نهائيًّا بعد. في يدي نصفُ زهرة بيضاء، في يد العالم نصفها الآخر. وحدي، أراهن على اكتمال البياض. ما أخطر الرحلة، بعد انسحاب ظلي المضيء فجأة، ربما لالتقاط الأنفاس، ربما لانحسار الوقود! الفرق الجوهري بيني وبين ظلي، أنني لا أخشى أبدًا نفاد رصيدي من الطاقة، لأن منبعه حيوية الحياة.
ليست معي بوصلةٌ واحدة صادقة، أتحسس بها الجهات الجغرافية والمغنطيسية، لكنني أؤمن بأن الجهات الأصلية كلها يمكن الاهتداء إليها بالقوة الروحية، ومعانقتها بالحواس الخمس المعروفة، والحواس الذائبة في الضمير، بدون أن تحمل خطواتي رائحة إبرة ممغنطة.أنا المشتاق دائمًا إلى الذي لم يكن أصلاً، لا أصدق أن النجوم تحدثت عني كما قيل لي، لأنني أرى القمر الصامت يحكي عني أكثر.
اِقرأوا معي هذه الكلمات: "محمد عبد الوهاب فنانٌ عبقريّ، لو أنَّ اللهَ خلقَه في أيِّ عصر، أو أيّ مكانٍ، لكان مخلوقًا فذًّا. يؤمنُ تمامًا بأن مكانَه الطبيعيّ بين صفوف الزعماء. استطاعَ بفضل فنّه أنْ يكتبَ اسمَه بحروفٍ كبيرة في التاريخ."
هذا الرأيُ، الصحيح، في الموسيقار عبد الوهاب، ليس من كلماتي، ولا هي كلماتُ ناقدٍ موسيقيّ واعٍ، وليس تعريفًا نقلتُه من إحدى الموسوعات لأُصدِّرَ به مقالي عن قامةٍ مصريةٍ رفيعة، بمناسبة عيد ميلاده في 13 مارس. إنما المدهشُ، أنَّ من كتبَ تلك الكلماتِ هو آخرُ شخصٍ في الكون يمكن أن نتوقّعه يكتبُها. إنه عبد الوهاب نفسه!
والمناسبة: حدث أن طلبتْ إليه مجلة "الكواكب" عام 1950، أن يكتب شهادةً عن نفسه فكتبَ ما سبق، ثم صدّرتْ به د. رتيبة الحفني كتابَها: "عبد الوهاب، حياتُه وفنُّه".
استهوت السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة موضوعات تتعلق بمناطق الحي العشوائي أو المخالفات في أحياء مصرية مختلفة، وأدخل مخرجوها كاميراتهم في عمق هذه الحارات لتبيان تأثير الأمكنة على مصائر الشخصيات دون إغفال معالجة العلاقة القائمة بين الإنسان والمكان .
لطالما اعتبر الرأي في تاريخ الفكر الإنساني بمثابة حثالة الفكر وفضلاته، باعتباره، أي الرأي، خاضعاً للأهواء الشخصية وللأمزجة ولتباينات الدواخل الإنسانية وتبدلاتها. الأمر الذي جعل اليونانيين، ممثلين في أفلاطون وأتباعه، يعتبرون الرأي (doxa) عنصراً حقيراً ثانوياً مقابل الحقيقة الجليلة. والحقيقة، بالطبع، هي التي كانت النخبة العارفة تمتلكها، والتي وحدها كان لها الحق في الاستئثار بالحقيقة بمقابل الجموع البعيدة كل البعد عن المعرفة.
اليوم يبدو أن الأمر برمته اختلف في المجتمع المعاصر، فأخذ سبر الآراء حجماً ما زالت قيمته تتزايد يوماً بعد يوم، وصار بإمكان الرأي، في المجتمعات الديمقراطية بالتأكيد، أن يغير حكومات وسلطات، أن يخلق نجوماً ويخفت ضياء أخرى، وأن يصنع مبدعين ويطمر مبدعين. وثمة نزوع، لا يمكن التكهن بنهايته، أن يسند للرأي الحقيقة بأكملها. وعلى حد تعبير "كارلو فريشيرو" ففي المجتمعات القائمة على مفهوم الحقيقة
أنا لا أحب البذاءة في الكتابة، لست شديد التهذيب في حياتي العادية، لكنني أحاول في الكتابة أن أعبر بدقة و أن أتعالق مع الكلمات فمن خلال العلاقة المركبة بها أفهم النص الذي أكتبه أو أقرأه، أحاول أن أعيش المفردات لذلك أتجنب مختزلات البذاءة
جاءَ مجهول وكتب على أحد الجدران في زقاق ضيق الكلام التالي:(خان الشيح النائمون)، كان يقصدهم كلهم، كلُّ سكان المكان(المخيم الفلسطيني الملقى خلف ظهر المدينة) حسبما كتب أحدهم مرةً. كانوا نائمين فعلاً، ولم يكن نومهم إلا مصاعب عيشٍ، ويأس من وضع فلسطيني يتدحرج من أعلى المنحدر مثل كرة من الثَّلج. لتجرف كل الأحلام في طريقها الوعر.
هكذا، وبمقدِّمات كثيرةٍ، وجد الناس أنفسهم هناك (20كيلومتراً جنوب دمشق) يقلدون قصباً أجوف يبكي، أما الكتابة على الجدار تلك فلم تحرِّك أحداً، قياساً لما كانت تفعله سابقاً، منذ أعلن ناجي العلي إطلاق هذه الظاهرة برسمه حنظلة على جدران أحد المخيمات.(بالمناسبة.. من قتل وسهّل ووفر الغطاء لمقتل ناجي العلي؟؟) إسرائيل طبعاً!! ولكن من يقوم كل يوم بقتل النهج؟؟
تحتفل باربي هذه السنة بعيدها الخمسين. للواتي والذين يريدون الاحتفال فليذهبوا الى الاحتفال، أما أنا فلا. على الهامش، علينا أن نسجّل الآتي: هذه اللعبة – الفتاة لم يخطّ الشيبُ شعرها، لم يعتورها أيّ ترهل، لم تلتهمها التجاعيد، ولا بهت البريق في عينيها. لكأنها خارج الزمن، خارج الأعمار، على غرار كل بنات المخيلة.
لعبة باربي تبلغ الخمسين، وهذه مناسبة تتزامن (وتتصادم) مع اليوم العالمي للمرأة الذي أقيمت احتفالاته أمس في الثامن من آذار، وتعيد الى ذهني سلوكاً تربوياً منمّطاً يزعجني منذ الصغر. فما إن ترى فتاةٌ النور حتى يحيطها الأهل والأقارب بالدمى من كل نوع ولون. هذه كي تمضي النهار في صحبتها، وتلك كي تغمرها خلال النوم، وهاتيك كي تشرب معها الشاي، ورابعة كي تتنزه برفقتها، وخامسة كي تجهّز حفل زفافها، وهلمّ. في المقابل، ما إن يرى فتىً النور حتى يحشد الاهل من حوله أدوات
ما الذي تجنيه الفتيات من النضوج؟! , قد كبرتِ كسحابة بيضاء تدلف جنة البيوت, وتخلفيني وراءك محتار إلى الآن في تحديد عمري , هكذا لسعتني الحياة حتى صرت مقروص كنجمة سوداء, ثم جئت إليكِ أرغب باستعادة يفاعةً تقطرت في بحر الأحداث الأخيرة, أستعيد تلك الصورة القديمة , عينيكِ اللعوبتين صوتكِ العالي وكل هذه الفوضى ,و قهقهة تسفحيها بمهارة على الجهات الأربع رافعة وجهكِ إلى السماء فيهيأ لي أن الرب سعيداَ , معكِ أيضاً,هكذا تغيب عينيكِ بينما تتسع فتحات أنفكِ كالقردة , يوم كنا نمشط الشوارع. . . نمارس العطالة كملوك منتهية الصلاحية , فتاة حلوة بشعر أسود وبنطال جينز وكنزة قطنية , نمشي معاً ساعات طويلة تروين فيها الحكايا الكاذبة عن جدكِ الذي كان يملك( فندق الشام) . . . . وعن (أدونيس) الشاعر الذي قبلتيه وسط كل الناس بلا خجل ولاحقاً حاول أن يكتب
لم يكن شيء يثيرني في ذلك الكتاب المدرسي، مثلما أثارتني تلك الصورة. كنت أنظر إلى تلك الفتاة التي تواجه بقرة في المرعى وأقول في نفسي، وأحيانا بصوت مسموع: "هي ذي، إنها هي.. أخيرا عرفت صورتها، اليتيمة صاحبة البقرة، لكن أين شقيقها الذي مسخ غزالا بعد أن خالف الوصية، وتنفس من ماء المنبع الذي وجده في تلك الرحلة". وعندما أملأ عيني من تلك الصورة، أبدأ في قراءة النص: "مات والدها وهي في المهد، وماتت أمها قبل بلوغها العاشرة، فتركت يتيمة في بيت جار فقير...".
وبينما أنا في كذلك، أنسى بقية النص، ويذهب خيالي بعيدا وأستعيد تلك الحكاية الشفوية التي كنت أسمعها من أمي، عن "بقرة اليتامى"، ثم أعود وأقول: "لكن تلك الفتاة لم يمت أبوها مثلما أقرأ في هذا النص"، يحيرني الأمر ولا أجد له تفسيرا، وتمر الأيام والشهور وتطوى تلك الصفحات، ويزداد نفوري من المقررات المدرسية التي لم يعرف سدنتها من الأدب إلا منطق "اعرب ما تحته خط".