ليس ككل باب ...
فلنفرض إذن أنكَ الآن خرجتَ من باب الكافيتريا متجهاً نحو أي مكان تجهله ..
في ذات المكان أبواب تجهلها ..
أناسٌ يخرجون منها أحياءً ويعودون بتوابيتَ على مقاساتهم في بداية الأمر ...
أو يدخلون أمواتاً كي يسجّوا في غرف نومهم لساعة أو ساعتين قبل التأبين ...!
والبابُ ذاته ............. الذي كانوا يخرجون منه مع الأصدقاء إلى المطاعم والحفلات والزيارات ... ها هم يخرجون منه الآن لزيارة الموتى زيارةً سرمدية ....!
ما نفع الحياة لو لم تكن معي ألقّنك طريقة الحصول على خبز يومنا، وأصنع لك العشاء الأخير؟
لا أهتم من أين قدمت سواء أتيت من الوديان، أو من بين الرّعيان.
في يوم" المرأة"
بكينا معاً النّسوة اللواتي احترقن في المعامل في الغرب.
في بلادنا أسموا هذا اليوم عيد، و تكثر الأعياد إلى حدّ التّخمة مثل القبور.
أفكّر أن نضيف إلى مجموعة الأعياد يوماً جديداً. أقترح تسميته " عيد النّدب"
أراجيح ..في المشفيات المجانية يرقد المواطن هنيئا برفقة الآلام .. الزجاج المحطم يؤكد صحة الاخبار " هنا مدفن الأحياء" بينما يغادر الألم إلى مواطن آخر.. يتأرجح بين رطوبة تكدس الفراغ .. يعلمه لأخر مرة كيف يسخر وكيف يبصق على تمادي الاحلام وكيف ينزع من روحه لأول مرة حقول الخدعة المميتة .. الألم صادق ونبيل .. لا يطيب ولا يموت ..الألم يعيش ويتكاثر ويتوحش أيضا بعناية كمامات مصابة بالعمى ..!
أراجيح ..يا يسوع أخطانا الهجاء لطخنا الكتابة .. أعد التشكيل من جديد ..!
لا الفتاة الجميلة عادت تخلع قميصها لتنام بصدرٍ مكتظ بالرغبة واللمسات الخاطفة ..
لا الضيوف أو الزوار وظلالهم وجلوسهم وقيامهم رجعوا ...!
الجار والجارة لم يلتقيا سوى في قبر ...
الزوج الأبله صار مجرماً أبلهاً ...
النافذة أعطت سراً واحداً إلى الآن ....!
المزن لم تعطِ أصّصُ النباتات والورود والصبار ماءً
أو الرجل الأنيق كذلك مات في حادثة سير !
تمرغت حياة تقبل قدم أمها وسائر النسوة الحالكات ،تتوسل: والنبي بلاش يامة ، والنبي بلاش يامة ، هوت صفعة هائلة على وجه حياة اخرست فيها الحس بعدما رمقت الخالة بلل بسروالها وهو ما يفترض تسكبه كله على وجه الميت دونما تفقد قطرة منه ، هذا ما تؤكده الخرافة وقراءة عجائز البوم ، انتهرتها الخالة دون رحمة لدموع أو لتوسل وقمن بدفعها لتسقط داخل المقبرة ، وبحدة توصيها بعصر مثانتها والتبول بغزارة على وجه الميت وحتى آخر ملوحة اختزنتها منذ صباح اليوم ، وقفن بالخارج وقد ضجت قلوبهن الخرساء بصراخ التوقع المخيف ،
هجمة غزل شرسة على المرأة من قبل الرّجال. يريدونها امرأة للجنس، وامرأة لحلّ ميزانية الأسرة، وامرأة تسمح لهم بالتّلطي، واصطياد ماطاب ولذّ من النّساء لأنّها تؤمن بالحريّة.
حلوّا عن ظهر تلك الواقعة في عمق المصيبة، والألم.
هي لا تقرأ الكلمات المكتوبة على الرّيح، ترغب برجل حقيقي لايجيد الغزل والشّعر، يؤمن أنّه رجل قويّ خلق من أجل إسعاد من حوله، تتغبّر يداه بالأرض والحجارة، يعود في المساء وقد أرهقه التّعب، تقدم له عشاءه، ويغفو. ليس لديه وقت سوى للعمل.
وضحكات الأطفال المشاكسين في الأزقةِ ..تحت شرفتكَ تماماً يرمون الحجارة الناعمة إلى الأعلى ويلتقطونها بكفوفٍ وحفنات تتسعُ لقبلة أو وردتين ..!
النافذة ذاتها توصلُ إليكَ سعالَ العجوز وتوبيخ زوجته الريفية ورنينَ أساورها النحاسية وتقطّع أنفاسها بين الكلمات وتأتأة الحروف ...!
صوتَ حفيف أغصان الأشجار الباسقة إلى الأساطيح ..!
رفرفةَ الغيسل الجاف أثناء هبوب الرياح وسكونها ..
همسات العاشقة التي ترمي رسالةَ مواعدةٍ للمراهق الخجول الواقفِ في الأسفل ... وهكذا تعطيكَ كل هذا..!
فيا الذي تصيح صراخا عبر صدأ مآذن الفزع و المجاهد بالخيبة أعلى مرتفعات السقوط .. انتبه ..أنت ميت .. أنت مكسور ..ممزق .. خائف .. ومن فم الجهال والأولياء أنت مراقب لذا أنت خائن .. تزهق أخيك وتظن لنفسك أبقيت حياة ، بينما الدم يطارد دمك والحلم يشك مضجعك والإنسان يلاحقك بالهرب ، انتبه ولصراخ السؤال التفت ، من أنت ..ولماذا أنت ..ولماذا البغضة فيك تآفعت ونسجتك بالكلية ورما متقيحا ، تجرك إلى غبار الطين ووحشة التسول ، تلخصك محض موت أسود ، وطريق العمى ملون بالابتذال ثم تكبيرات آلهة الخواتم السقيمة حيث القلب نجيس من يعلمه ..!
أنا المخدوع بأن القارة العجوز ليست عاقر
.. أنا شقيق مرابط وورَّاد الذين هجروا مدن الملح ليستوطنوا أرصفة ضواحي صفيح مدينة النور
أنا المسيح المصلوب مرتين
أولىً حين صلبه اليهود
وأخرىً حين سرقتم هويته لترسموه فتىً إيطالياً
أنا الشرقي المتخم بالتابوهات حد الاختناق
المسكون بالتاريخ حد التقيؤ
الملعون بالجغرافيا حد الغثيان
أنا الشرقي الحالم بحداثةٍ لا تزدري هويتي
بوطنٍ لطالما كفل بقاء الكُنس والكنائس
بمجتمعٍ احتضن الأرمن كما احتضننا السريان
أنا ابن أرض الشمس التي أهدت روما خمس أباطرةٍ عظام
.. ولم تنتظر منها غلال
تربتُ على كتفِ الرجل الذي يسير أمامكَ وضعاً كفيه في جيبي بنطاله ورافعاً كتفيهِ قليلاً إلى الأعلى مخفياً معظمَ رقبتهِ،
نافثاً من فمه ضباباً لا دخانَ سجائر أو دخان حطب رئتيهِ !
تسألهُ : (كم الساعةُ الآن)؟... يلتفتُ إليكَ برقبةٍ آلية وجسده مسمّرٌ في المكان
ويجيبكَ ــ ... لا وقتَ في الحرب .. الوقتُ في الحربِ سيان، الحربُ هي وجهةُ الوقتِ والزمن!
وحين تنتهي الحربُ، قل لعابرٍ غيري "ليس قتيلاً" .. كم الساعة الآن.
فالموتى هم من يعرفون قيمة الوقتِ .. لا الأحياء.