في منطقة العفيف التي تتربع عند قدم "جبل قاسيون" كان ثمة نادي للصحفيين. في هذا النادي المتباعد الأركان تجد ثلة من المثقفين وأخرى من المتسكعين. صبايا بريئات يبحثن عن فرصة للشهرة في عالم صاحبة الجلالة, انجذبن لحياة التسكع, وأخريات أدمنّ التطفل على موائد الزبائن الجدد. وخليط من المتمرسين بالأحاديث والثرثرة التي ليس لها نهاية, والتفاصيل التي تتفتح عن تفاصيل وشروح للمتن في هامش أكبر من المتن. ثمة متصيدون للفرص ومحبون للظهور و"الرفعة ولو على الخازوق" كما يقول المثل الشامي.
اقترب فن الرواية من مدينة الإسكندرية بعدة طرق. حتى أصبح لدينا صور مختلفة، بل قل متضاربة من هذه المدينة ، تناوبت على تفسير وقراءة جمالياتها بعدة أساليب: من تقنية مونولوج الأصوات في ( ميرامار ) لنجيب محفوظ، مرورا بتيار الشعور في رباعية لورنس داريل، وانتهاء بتحليل الشخصيات ومضمونها النفس اجتماعي في ( لا أحد ينام في الإسكندرية ) لإبراهيم عبد المجيد.
ولكنها اتفقت جميعا على نقطة واحدة : إعادة تركيب صورتها بالاستناد لوضعها الحالي وليس كشاهد حي على الحضارات الميتة.
اصطدامه الأول مع الدولة الأمنية كان بالصدفة, فبعد سنوات قضاها في واحدة من دول النفط يجمع فائض قيمة عمله عما أكله وأطعم أهله منه, وبعد سنوات تحملت زوجه فيه رائحة فمه الكريهة لقلة ما يأكلون, أو لرداءة ما يأكلون أملاً في دفع الأقساط المطلوبة للجمعية السكنية وهي الاختراع الرائع الذي استطاع النظام فيه جعله ينسى أحلى سنوات شبابه وشباب زوجته وطفولة أطفاله, يحرمون أنفسهم من أحلى ما في الحياة "الشباب" كي يدفعوا أقساط الجمعية, ويصبحوا من البورجوازيين!
وحدث أنه في عام 1946، عندما انتقد الأديب الفرنسي أندريه جيد الإسلامَ انتقاداً صريحاً في كتابه «الباب الضيق» قائلاً: «إن الإسلام يكتفي بتقديم الأجوبة، ولا يدعو إلى استخدام العقل»! انبرى له طه حسين، فردَّ عليه برسالةٍ، صدَّرها نزيه الحكيم في ترجمته لكتاب أندريه جيد، قال فيها طه حسين: «لم تُخطئ أنتَ، وإنما دُفِعتَ إلى الخطأ، فلقد خالطتَ كثيراً من المسلمين، ولكنك لم تُخالِط الإسلام؛ فليس على الإسلام بأسٌ، مما ألقي في روعك خُلطاؤك المسلمون. ولقد عرفتَهم في عصرٍ مؤلمٍ من تاريخهم،
دائماً يوجد خلف النص حالة رهيبة من الفوضى، فوضى بجميع المقاييس، على الأقل فوضى بارتكاب هذه المسألة، فالعباقرة وحدهم من يسرقون، أما الموهوبون فيستعيرون فقط.. لم أعرف تماماً لماذا سيطرت هذه الجملة على تفكيري لمدة طويلة، مدة جعلتني أقتنص كل الارتباكات بحثاً عن إيحاءات صغيرة لها، ففي أكثر الأحيان كنت أضيع في تفاصيل الحالات العمومية التي تصادفني، أقتنص منها الحالات الأكثر ذكاء، أجردها من وعيها، وأعيدها إلى الأصل، لم أعرف حتى هذه اللحظة ماذا يعني أن تكون ممثلاً..
صحافية فرنسية تستكشف 'مخادع' باب العزيزية
إن فضح المعاملات الوحشية التي كانت، ولا زالت، بعض الأنظمة العربية تمارسها تجاه شعبها تعد من بين الأشياء التي ينتظر أن تكشف؟ لكن في أي باب نصنف معاملة هذه الأنظمة تجاه المواطنين والمواطنات خلال فترات الحكم الطويلة التي مكثها مجموعة من الرؤساء الذين إما تم قتلهم، أو إبعادهم عن المشهد السياسي؟ لا شك أننا حينما نقرأ بعض الوثائق المنشورة نتساءل إن كان هؤلاء
أنا المخ وأنت العضلات" عبارة مشهورة يطلقها بطل مسرحية "مدرسة المشاغبين" ليلعب دور المخطط ويترك التنفيذ لمن لا يملك غير العضلات. تحيلنا هذه العبارة إلى مايجري على ساحة السياسة والمشتغلين فيها من السياسيين, الذين أدمنوا لبس البدلات الرسمية مثلما أدمنوا الجلوس في الصفوف الأولى, ذلك لأنهم يحبون الرفعة ولو على الخازوق كما يقول المثل الشعبي. وهذه العينة من البشر التي نراها ونسمعها عبر شاشات المحطات الفضائية تظن أن (جماهيرها) عبارة عن عضلات وأدوات ومطايا يركبون ظهورها لتوصلهم إلى كرسي القيادات التاريخية. ولا أدري ماذا تعني بالضبط عبارة قيادة تاريخية ولا الفرق بين قيادتين تاريخيتين
هكذا، نستطيع أن نفهم مثلاً، قيام المنظومة المافيوية الروسية ـ الأسدية، ووفق منطق وحيز تقاسم الأدوار السالف ذكره، بتصنيع وتسويق "منتج" مطابق لدفتر الشروط والمواصفات المعتمد لدى " المستهلك الغربي" كي يطلق عليه صفة " الإرهاب". فالمقاييس والمعايير المكرسة، والتي تعطي للعمل الإرهابي سماته وهويته التنفيرية المقززة المثيرة لمخزون من الانطباعات والتصورات النابذة له ولمن يقوم به ـ والتي أضحت نمطية في الأذهان ـ يسهل على المخابراتين الروسية و الأسدية نمذجة "أدائهما"
وكانت هذه اللمسة من الغيرة دافعا لإصدار روايته ذات العنوان الباهت: «رواية حقيقية»، وفيها يحاول أن يثْبت أنه لا يزال قادرا على كتابة رواية بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. والرغبة كان فيها نوع من السخرية الذاتية، ولم تثر ما كان يرجو منها سوليرز.
الكتابة عند سوليرز هي كتابة في العزلة، ففي العزلة يمكن للمؤلف أن يخلق شخوصه ويتأمل مصائرها، وفي العزلة يقرأ الكاتب، كما أن سوليرز من دون وجود الكتب لا يمكن أن يعيش (ومن هنا نزوعه المستمر للحديث عن قراءاته التي لا تحصى)، والحياة من دون
اللغم الثالث هو استمرار احتكار الثروات، فالنخب الجديدة تحاكي - مثل القردة - أولياءَ الأمور السابقين، مكرمات وعطايا، عقوداً وهبات توزَّع بما يشبه المجان. انفصال أو فصل الاقتصاد عن الجهاز السياسي مسألة حياة هذه المجتمعات أو موتها. الفكر التنموي الذي عمر طويلاً في المنطقة، والذي محض الدولة حق هذا الامتلاك باسم التقدم، كان ولا يزال، الوصفةَ الأكيدة لخراب التنمية وضياع الحريات. والمفارقة أن قادة الإسلاميين الذين ترعرعت غالبيتهم في أوساط التجار ورجال الأعمال في عدد من البلدان،