ضمن ما يسمى بـ الولوج إلى الذات في غفلة عن الحال القصدية للدرب تلك، يسعى المثقف الشرقي عموماً والعربي خصوصاً إلى طرد النواة من زهرةٍ ما، زهرةٍ تنكفئ عن إناءٍ موضوعٍ في أيّ ذهنٍ هنا، شرقاً من الغرب الشمالي للأرض مِنّا نحن وليدي الذهن القمعي بشتى أشكاله، قد تحتاج المعادلة ـ أبداً تسير المعادلة جانب السرد الشرقي ـ إلى شكل آخر للتعبير، حيث يكون المثقف العربي عموماً رافضاً جائزة نوبل للآداب لإغناء نفسه عن حنطة الكبرياء والسقوط عن فرس القصدية في بناء الأدب بأعمدة سياسية محضة.
هل يمكن أن تكون الصوفية أو التصوّف بمعزل، أو بعيداً عن الذات الإلهية؟...هل من طقوس حياتية، أو دنيوية ما، يمكنها أن تحقق ذلك الاتجاه معزولاً؟ وهل هي شعائر، أم طقوس، أم هي بِنيات بشرية ما هي جزء من الطبيعة البشرية؟ أجدني أجيب على السؤال الأول بنعم... إنها الموسيقى. موسيقى السلطنة الطربية الحقيقية، هي التي تحقّق ذلك على الدّقة.... حين الإخلاص فيها لها وبها يصلان حدود الإبداع الذي يسيطر ويسلب المرء بكلّ تفاصيله الحسية والشعورية الى عالم الاستسلام إلى السباحة في العوالم غير المدركة إلا في مثل هذه الأنواء والفضاءات المستسلمة لريحِ الروح وحدائقها وطيوبها ليصل المرء المتذوّق في النهاية إلى عوالم لاحسية، بل شعورية مطلقة، تصله بعوالم شفيفة يتبدى من خلالها الجمال بكلّ تخلّقاته وإبداعات تجلّيه، حين ذلك بمكننا القول: تلك حال صوفية بامتياز. حال تصل المرء بالمطلق. ولكن، الفرق هو في معنى هذا المطلق. فالديني يراه الذات الإلهية فقط! وإن خالفت الرؤية فإنما ذلك كفرٌ مطلق!!!!!!!؟؟....
الأخلاق جمالية الداخل. ترفٌ مكلفٌ لا يُعطى لسوى قلّة.
بيار ريفردي
متى تصنع الغيرة عملاً إبداعياً أو إنسانياً خلاّقاً، ومتى تسقط في الوحل؟ ليس من الصعب أن يجيب المرء عن سؤال كهذا. خذوا الشجرة مثلاً، إذ يكفيها أن تعثر على ظلالها، كي تعرف أنها ذات ضوء، أي ذات ثمار. ليس من المهم جداً أن ترى ثمارها، هي بعينيها، إنما لا بدّ من أن يكتشف الناظرون اليها كثافة الثمار التي تتوالد من جسم ضوئها. بل من روح هذا الضوء.
يصعب على الشجرة أن ترى ثمارها، مثلما يصعب على الشمس – وهي مصدر - أن ترى إشعاعها. تعرف الشجرة بعبقرية جسمها أنها عطاءٌ، وتثمر. وتعرف ذلك
هكذا بجرأته الضرورية في موسم الضياع الدرامي ، يطرح الكاتب: فادي قوشقجي مسلسل (ليس سراباً ) معلناً صرخة علمانية حقيقية مهمّة في لحظةِ اتجه فيها معظم الكتّاب الدراميين إلى أحياء الفلكلور التراث ، وتعاطي الدراما المدبلجة بسبب فشل معظم المحلي ، وتعددية الكوميدية السوداء ، والغياب الكلي عن تناول مشكلة قائمة و كبير ما بين العقلانية والعلمانية ، حيث عبقرية المخرج المثنى صبح في انتقاء الممثلين وخصوصية الطابع الدرامي لكل مشهد ، اشتغال مكثف على كل عبارة ترد في المشاهد ، تميز ملحوظ لنقاشات ساخنة ، تبرمج الواقع بشكل متسلسل ، وتحكي عن أهمية التعايش في المجتمع السّوري ، بين الديانتين الرئيسيتين ( الإسلام و المسيحيّة ) ، طقوس مختلفة في تجسيد الحوارات ، كأن الأحداث تتزامن مع حياتنا اليومية ، فنية عالية في توصيلة الفكرة بلا شوائب ، فكرة مباشرة مهمة لم تتناولها الدراما السورية منذ عقد كامل من الزمن .
قال محمد عبد الوهاب، الموسيقارُ المصريّ الذي عزَّ نظيرُه: أحبُّ أن أتركَ غرفتي في حالٍ من الفوضى عارمة: البيجاما تحت الكرسي، الشبشب فوق السرير، الملاءة مشعبطة في الدولاب، فإذا عدتُ وجدتُ كلَّ شيء مرتبا ونظيفا، شعرتُ بالفرح، إذْ ما المتعةُ في أن تتركَ بيتكَ منظمَا، أو شبهَ منظمٍ، وتعود فتجده منظما! هذه روح الفنان التي لا تقبل إلا الانقلابات الجذريّة، من أقصى السالب إلى أقصى الموجب، (ربما العكس؟)، فليست كلُّ الفوضى سالبا، لا سيما لفنان. فمعظم الفنانين يفزعهم الترتيب. لأن النظامَ قانونٌ، والفنُّ ضدٌّ لكلِّ قانون، وهادمٌ لكل نَسَق، وإلا كان تقليدا ونقلا واتبّاعا.
تهمس في أذني رام الله وهي تلقي بشلال شعرها على وجهي، فلا أرى من العتمة سوى اشراقة وجهها وجماله، تغمرني بمشاعر الحب والحنان، تحاول أن تعيد لي توازن النفس الذي افتقدته منذ وداع الياسمينة أمي، حين توقف القلم عن الكتابة، وتوقفت المشاعر عن البوح، تهمس لي ببوح عينيها أن أعود إلى ما كنت عليه، أن أتذوق الياسمين وأتنسم عبقه، أن أتعايش مع الألم ولوعة الفراق، وأعود إليها أراقصها وأضمها كما اعتدت أن أضمها منذ زمن سحيق، وأن أهمس لها كعاشق مجنون.
حرر المسلمون بيت المقدس، ونشروا الدعوة في كل أصقاع الأرض، وصارت بلاد المسلمين القوى العظمى في العالم، ولم يبق لهم من مشاكل ومصاعب إلا أن يقتلوا الشخصية الكارتونية والمشهورة أكثر من أية شخصية في العالم؛ الفأر ميكي ماوس. وبدأ رجل دين سعودي بالهجوم على ميكي ماوس وجيري صديق توم ويدعو إلى قتل الفأر وكان الفأر الكائن السيئ الوحيد في العالم الإسلامي.لقد هاجم رجل الدين السعودي محمد المنجّد الفئران بضراوة داعياً إلى قتلها في الحل والحرم بوصفها ممقوتة في الشريعة الإسلامية وهي من جنود إبليس. وحذر المنجّد في حديث صحفي الأطفال من الإعجاب بشخصيات الفئران التي اشتهرت عبر الأفلام الكارتونية أمثال ميكي ماوس، وجيري. وأشار إلى أن الفئران كائنات ممقوتة وأن هذه الرسوم المتحركة حببت الأطفال بها وأصبحت شخصيات عظيمة بنظرهم بينما يجب قتل الفأر في الحل والحرم. المنجد بات سلط الضوء على أن الشريعة الإسلامية سمت الفأر بالفويسقة وأنها تضرم على أهل الدار النار وأن الشيطان يسّير هذه الفأرة وأنها من جنود إبليس.
أعلن القدر رحيل فارس آخر، وخيمت ظلاله على أرجاء الكلام، العبرات تتلاطم للخروج في جنازة القصيدة، والألم يتحسر على وداع أخير، القبلة تتنهد من ثغر الكلمة، والأحرف تنفخ في بوق، لتعلن للغة رحيل فارس من أجود فرسانها، أعلن الموت أخيراً، جنازة شاعر كانت الكلمة صديقته، والصديقة قصيدة، والقصيدة حلمه وألمه، وحلمه وطنه المتخم بالألم والأسى.
هكذا انتهى المطاف برجل قاد قطيعاً من الكلمات أمامه، ورعى ملايين الأحرف في ضيعة صغيرة، أطلق العنان لألوانه المتناثرة في أحلام أطفال تحبو منذ الأزل، انفجرت من أنينه ينابيع الحب والألم، آهاته اخترقت خيوط الشمس الساطعة أبداً في سماء القصيدة.
رحل محمود درويش، تاركاً خلفه، غبار الزمن الأعمى، يتناثر بين كلماته التي أبت أن تذرف إلا عبرات الحب والغزل،
قد يبدو للرائي أنَّ الحياة هنا صعبة وأن اليومي هنا على غير اليومي في إي قطر عربي آخر.
حملتنا الأيام على أن نعتاد الحياة ، ولكن ليس بمعنى الرضوخ والاستسلام، وليس بمعنى التعايش الذي يظنون ويسعون إليه مرغمين عليه.
رمضان صديقي الجميل الذي أحب عشته بهدوء وعشته بصخب وضجيج مجنزرات الاحتلال وهي تهبط طرقاتنا ليرتج صحن الإفطار ويخفت صوت المؤذن قليلا إلاّ أن هناك نغمة ربانية تطغى وتعلو على هدير خراتيت ووقع أقدام جندي بغيض لا يعني له وقت الغروب في رمضان سوى القنص والقتل والاغتيال وتنفيذ أوامر جنرالات لا يتقنون غير لغة تدمير النفس قبل الأرض ، وعلى الرغم من منغصاته اليومية وبعثرتنا إلى أجزاء حول صحن الشهوة الجميل إلاّ أنَّ هناك وقع
حلم اليقظة , وسيلة دفاعية وهجومية بنفس الوقت , كذلك سلبية وإيجابية , تنقذ الحالم أو تغرقه في بحر أوهامه, ولا أحد يستطيع أن يعفي نفسه بقليل أو كثير منها , فحلم اليقظة هو حلم خالي من الرقيب ونادرا ما يلحقه تأنيب الضمير, فهو يوفر لصاحبه إعادة توازن داخلية ولو كانت خلبية