اخبرت (ليث) بأمرهم وذات القصة اعلاه واني لو مررت قربهم بهذا الليل الأليل فاكيداً سيعتقلوني خصوصاً بوجود قصائد (بسيطة) من تأليفي بمحفظتي كنت قد قرأتها كمرثية للأمام الحسين ع في مأتم التعزية إياه. رغم أني لا اعرف ما حل بتلك القصائد (البسيطة) الان، إلا أني اتذكر جيداً أني كنت اواضب على التطرق لمواضيع الظلم والحيف وأمل الخلاص فيها.
عندما قصف حينا السكني بعد إجتياح الكويت وفشل االنتفاضة، تركنا البيوت رفقة جمو ع من عوائل الجيران. منّا الراجلة ومنّا من نقلوه بسيارات الجيران. ُصنِفت من قِبل مدير األزمة حينها )أبو عدنان ويوسف وعلي وجواد( )هؤالء هم اوالده بترتي ب عُمري( ب وضعي بقائمة األكثر اولوية ل نقلهم بالسيارات حالي حال جميع األطفال والنساء.
إنّها فترة لاكتشاف ما كنّا بعيدين عنه لسنوات خلت. العودة إلى حضن الأهل. الجلوسُ معهم لمدّة أطول. الاستماع إلى قصصهم. إنّه شعور دافئ لم أشعر به منذ سنوات. أهلُ ضيعتي الذين اقتصرت علاقتي بهم على الرسميّات، صرتُ ألتقي بهم أكثر. أبصرهم من قرب وأعرفُ أخبارهم. منها تشكيلُ خليّة أزمة لمتابعة المستجدّات على صعيد الضيعة وتأمين ما تيسّر للأهالي.
كان يأخذني معه لزيارة المراقد المقدسة بالنجف وكربلاء عندما كنت صغيراً عمراً وجسماً، فأنا بطولي الطويل اليوم ووجهي المُشعِر، كله تفجر فجأة في بداية الدارسة الجامعية (نمو انفجاري متأخر) حيث طلت كثيراً ونبت على وجهي حديقة من شعرٍ ناعمٍ كريش حمامٍ (يومها) خشنة الان ككومة سعفٍ يابس مقطوعٌ ومتروكٌ تَلهَبَهُ شمس شهر اب (اللهاب).
ربما هذا هو جمال الكتابة والقراءة والمشاهدة ان تعطيك خيالاً تطير به عالياً وانت مستلقياً مسترخياً تحت جهاز التبريد عند عودة التيار الكهربائي والحقيقة أني عندما سافرت بطائرة كنت قد ختمت جزئا من القرآن ليسكن القلب طمأنينة سرعان ما بددها ارتجاج الطائرة في مطبٍ هوائي حيث امسكت مسند المقعد امامي بشدة كدت أن اخلعه
من كان يصدق
أن ذلك قد يحدث
مرة أخرى
عشنا، في ظل هذا المفهوم، عشرات السنين، وبالأخص في أثناء حكم حزب البعث القومي، العروبي. ومن طريف ما وصل إلينا، في هذا السياق، أن رئيس الجمهورية الأسبق أمين الحافظ كان لا يقبل أن يُسْألَ أو يُساءلَ أحدٌ من الرفاق البعثيين،
لو كان لي أن أختار رمزا للبلاد لاخترت شجرة الزيتون المباركة،الزيتون هوية السوريين وهواهم وزيته المقدس إبداع الرب وعظمة تجليه .
مواسم قطافه حكاية عشق سرمدية تمتد جذورها لأوائل الزمان وآخر الأغنيات ،انتظار الفصول وفرحها الكبير .
في الطرَّيقِ الطَّويلِ إلى الأملِ تتزَرزَرُ الحياةُ رُوَيداً رُوَيداً، تَكْثرُ التَّلاويحُ وينفتِحُ الغِيَابْ، شَجَرٌ يابسٌ في الأنحَاءِ الأَليفَةْ، الأنحَاءُ التي إنطوَتْ، الدُّرُوبُ عَلَى رَسلِهَا في الأخِيرْ، الدُّروبُ التي أنحنَت لِمرَّةْ، الجُسُورُ الَّتي خضَّبتهَا المَغَارِبْ، الكِلِمَاتُ القَلِيلَةُ في المفَارِقْ، الحياةُ في الكَدّ، الحياةُ بوهَنٍ أكيدْ، نقُولُ أشيَاءَ مُلتبسةً في الأخيرْ، نَغدُو سُهدَاً وغِيَاباً، تغدُو الحياةُ غُمُوضاً وإنحسارْ..
من نيوجيرسي أسأل عنه أمي، أسأل عنه هذا الذي لم يحتمل أن يرى كل شيء يحترق أمام عينيه ولا يستطيع فعل شيء. هذا الرجل المولع بالمشي والذي إذا رأيتُهُ آتياً من بعيد أقفز من فوق الجسر كي لا يراني أتسكع في الشوارع، سقط في البيت، سقط كما هو نحو أعماق الأرض، وفقد النطق. الذي كان ينذرني بأوخم العواقب حين يراني شارداً مثل مومياء.