الفاتحة
صرت أخاف على الثورة السورية، بل لم أعد أستطيع النوم، أو التفكير.. بعد أن كثر الأشخاص المعروفين بماضيهم القذر قبل الثورة يصدرهم النظام للخارج على أساس أنهم معارضة ليندسوا وينقلوا أخبار الثورة وتحركاتها من الداخل. هؤلاء صاروا موجودين في كل تنظيم ثوري بدءا من المجلس الوطني وانتهاء بأصغر تنظيم ثوري مهما كانت تسميته، والتسميات صارت كثيرة، وتتوالد باستمرار.
بعيدا عن أولئك الذين يصدرهم النظام محملين بكل وسائل الاتصال الحديث والتنصت، هناك أيضا نوع آخر من الوصوليين الموجودين أساسا في الخارج الذين ركبوا موجة الثورة وهي لا تعني لهم سوى الوصول إلى مناصب رفيعة بعد نجاح الثورة هذا إذا لم...
لم تتسع حمص المدينة الصغيرة المحافظة في منتصف الستينات لأحلامي الكبيرة، ولتطلعاتي لحياة ثقافية أكثر حركة وحيوية، فما أن التحقت بجامعة دمشق في العام 1966 لم أعد إليها سوى في زيارات خاطفة لأسرتي. فقد أدمنت الحياة في دمشق، التي أغوتني كامرأة ساحرة لأبقى في حضنها.. مقاهيها، باراتها، ومسارحها، التسكع ليلا في كاباريهاتها، ما لم يغرني فيها سوى جامعتها، أو فلنقل كلية الأدب العربي التي انتسبت إليها، فهجرتها ولم أتخرج حاملا شهادتها إلا بعد عشرة سنين من دخولي إليها.
أمضيت حياتي في دمشق وتزوجت فيها، وأسست أسرة وأنجبت أطفالا، ولم يعد يربطني بها بعد وفاة والدي سوى أخ وحيد...
يفاجئنا السيد طالب إبراهيم أحد الغيورين على النظام، والمدافع الشرس عنه، وأحد شبيحته الإعلاميين في لقاء مع إحدى القنوات التلفزيونية بمعلومات أسطورية عن قوة سورية العسكرية والتي كنا نجهلها حتى هذه اللحظة، إذ نكتشف من خلال تصريحاته أن سورية تملك قوة جوية تعادل أية قوة عسكرية أوربية، وهي قادرة على دحر أي عدوان جوي أو أرضي عليها.
فهو يقول بكل ثقة بالنفس وعنجهية الضعيف أنه في ما يخص الحالة السورية وأنقل ما جاء في اللقاء مع تحويل بعض الكلمات العامية إلى فصحى، إن سورية بقيادتها العسكرية والسياسية لم توفر لحظة واحدة وقرشا واحدا وقطرة عرق وقطرة دم في...
عيب ما يحصل بين بعض من يسمون أنفسهم معارضين، من خلافات على الملأ وعلى شاشات التلفزيون، بل هو أكثر من عيب، هو تآمر على الثورة وعلى دماء شهدائها، وعيب أيضا أن نشكل تنسيقيات ومجالس وهمية لا تمثل إلا نفسها لتدعي أنها تتحدث باسم الثورة، ولا فرق بين هؤلاء وجيش النظام، بل هم أخطر منه، فجيش النظام مكشوف ومعلن، ولكن هؤلاء المدعين المعارضة يلعبون على الحبال بانتظار ما ستؤول إليه الأمور.
منذ أيام خرج معارضين خصمين على إحدى القنوات التلفزيونية، ولا أريد ذكر الأسماء، وهم يتبادلون الشتائم والتخوين لبعضهما بعضا، وبعضهما هذا لا يمثلل ولو جزءا بسيطا من الشارع...
المتفائلون من السوريين، وهم أيضا أصحاب أنصاف الحلول، وجدوا في موافقة سورية على مبادرة الجامعة العربية نصرا لهم، فهم من كانوا يدعون للحوار مع النظام للوصول إلى حل، متغاضين عن كل الدماء التي تراق يوميا على كامل التراب السوري، باستثناء تراب الحدائق في دمشق وحلب المدن وليس الريف، حيث ظل ترابها نظيفا بفضل تجارها الذين سيفقدون مكانتهم وأرباحهم القذرة مع سقوط النظام.
أما غير المتفائلين فقد أعلنوا مسبقا، وقبل أن يفاجئهم النظام باستمرار حملاته الإجرامية على كامل التراب السوري، أعلنوا رفضهم للمبادرة، لعلمهم المسبق أن النظام يراوغ، وصرحوا على لسان عدد من مسؤوليهم بأن على النظام التوقف عن القمع وسحب...
يأتي وفد الجماعة العربية، ويلتقي الرئيس الأسد، وما يرشح عن هذا الاجتماع لا يتعدى المجاملات الدبلوماسية وكلام رئيس الوزراء القطري بأن الأجواء كانت إيجابية وأن الرئيس الأسد وعد بالتعاون.
السؤال الذي يتبادر للذهن مباشرة، مادامت مهمة الوفد إيجاد حل لما يحصل في سورية، ومادام وصل إلى سورية فماذا تعني هذه الأيام الخمسة الفاصلة بين اللقاء الأول واللقاء الثاني، ولا أعتقد أنه يخفى على الوفد ورئيسه أن هذه الأيام ستكون أصعب على السوريين، من كل الأشهر التي مرت، وإذا كان لا يخفى عليهم لماذا لم يضعو على الأسد شرطا هاما وأساسيا وهو أن يوقف كل العمليات العسكرية في هذه...
تشغلني في الفترة الأخيرة قضية هامة وحساسة، والذي نبهني إليها أنني علمت مؤخرا أن بعضا من مخبري النظام الذين يعملون متخفين بين المثقفين في سوريا، وهم يدعون أنهم ملاحقين من النظام ومعارضين منذ ما قبل انطلاق الثورة ليجعلوا فريستهم تقع في الفخ وتتكلم أمامهم. هؤلاء بدأوا يتحركون بعد الثورة كعملاء سريين للسلطة، وبدأوا يتواصلون مع المعارضة في الخارج، على أساس أنهم ملاحقون في الداخل وقد استطاعوا الهروب في اللحظة المناسبة، هكذا يوهمون المعارضة في الخارج ويندسون بينها لنقل أخبارها وتحركاتها للسلطة.
عمليا أمثال هؤلاء أخطر من قنبلة موقوتة داخل أي تجمع معارض في الخارج، ويجب الانتباه لهم والتحقق...
رغم كل ما يجري في سورية من تظاهرات، وقمع لهذه التظاهرات بشكل ممجوج وفج وغير قابل للتصديق، ورغم أن كل ما يظهر على السطح يقول أن الأزمة في أشدها، وإن النظام يسير نحو نهايته الحتمية، ولا شيء يمكن أن يجعل عجلة التاريخ تعود إلى الوراء .. رغم كل ذلك فإن الرئيس السوري يصرح في أحد لقاءاته، أن الأزمة في سورية انتهت وإن الأمور بخير، ثم يؤكد وزير خارجيته على هذا الكلام ويخرج بتصريحات تقول أيضا أن الأزمة انتهت أو هي في طريق النهاية وإن الأمور ستعود قريبا إلى نصابها.
وكما فعل المعلم فعلت بثينة شعبان مستشارة الرئيس التي تقوم بجولة...
دماء شهدائنا ومناضلينا لا تهم أحدا في العالم، أقصد قياديي العالم، قادة الدول ووزراءهم ورجال أعمالهم .. وأغنياءهم، ولكن الفارق بين الدول الغربية التي نسميها رأسمالية ونحتقرها كوننا ننتمي إلى فكر مختلف ـ أو كنا ـ كما بين الدول التي كانت تسمى شيوعية أو اشتراكية أو ما طاب لكم من تسميات، والتي لم أندم في حياتي كما ندمت بعد وعي أنني تبنيت تلك الأفكار دون أن أنتمي إلى أي حزب من أحزابها بسبب تركيبتي الشخصية بعدم قبول أن يملي على أحد ما توجيها معينا يقول أن الحزب يرغب في ذلك، طز في الحزب فأنا لست آلة يسيرها أي حزب مهما...
كتب الشاعر الشاب الحمصي السوري عمر سليمان على الفيس بوك:
"المعارضة الحقيقية هي: الذين يتحركون بضمائرهم..لا تهمهم شهرة ولا منصب ولا إعلام..أبناء المجهول والحارات المنسية المهملة..أبناء الليالي المضيئة بهتافهم المشرق..الأذكياء الأحرار الطيبون الذين أوجدوا الثورة فعرفوا معنى وجودهم..لا يهمهم العالم فإن عالمهم بهم..يبدعون ويحلمون ويرفضون ويفرضون ويغيرون..طوبى لأبناء الشوارع."
نعم طوبى لكل هؤلاء، وطوبى لكل من يخرج هاتفا لإسقاط النظام في حمص وغيرها على امتداد الأرض السورية، ولو ابتعد المثقفون من أمثالي "وجر" عن تلك الانتفاضة لكانت حتى الآن بخير، وهي لم تزل بخير بالتأكيد، ولكن تدخل أصحاب المصالح ومستغلي الثورات، وممتهني السياسة، الباحثين مسبقا عن منصب ما، المؤسسين...