لنتذكر، امتناع فصائل الجنوب عن التحرك أو إطلاق رصاصة واحدة، على رغم استغاثات الغوطة قبل سقوطها، والتي كانت نتيجتها سقوط الغوطة بعد أن سوّى نظام الأسد وروسيا بيوتها بالأرض، وبعد أن قصف دوما بالكلور، ومن ثم انصاعت الفصائل بعد أن ملأت الإعلام ضجيجاً عن الصمود والتصدي، وبدأت الفضائح بعد السقوط بالتوالي.
هذه الرؤية لا تنكر مطلقًا طبيعة الانتفاضتين المتفجرتين في هذين البلدين، ولكنها تؤكد أن هناك عملية استثمار لها عن بعد، الغاية منها إجهاض مشروع إيران التوسعي في المنطقة العربية، الذي يشكل تهديدًا خطيرًا لكل دول الإقليم، وكذلك تضييق الخناق على المشروع الروسي للحل السياسي، الذي يقوم على مبدأ القضم التدريجي للمناطق المحررة، وإعادة تأهيل النظام سياسيًا.
بالإضافة إلى حضور “المجلس الوطني الكردي” و”المكوّن السرياني الآشوري” و”المكوّن التركماني”، سنجد في تركيبة الائتلاف ما يُسمى “شخصيات وطنية ومستقلة” لا تُعرف معايير اختيارها، وثمة أيضاً “المجالس المحلية السورية” وهي تجربة لم تثبت حضوراً في المناطق التي كانت خارج سيطرة الأسد بسبب تسلط العسكر أو المجالس الشرعية التابعة للفصائل الإسلامية.
لجواب على ما نحسب، لأنه مرتبط بمعيشة السوريين، ومؤشر على مزيد من الفقر "نسبة الفقر 85%" وربما مزيد من الفساد وحتى الجريمة، فالجائع قد يرتكب أي جريمة ليلبي مطالب أولاده أو إسكات عصافير بطنه، فضلاً عن الجانب الإنساني، خاصة من سوريي الخارج الذين يتألمون لإفقار أهلهم بالداخل ومحاولة إذلالهم من لقمة عيشهم.
والنخبة الثقافية التي كانت الأحزاب قد استتبعتها، انطوى أفولُ تلك الأحزاب على جزءٍ من أفولها، بينما وجد المستقلُّون من المثقَّفين أنفسهم أمام بابَيْن: باب السجن أو باب الوظيفة الحكومية في مؤسَّسات رثَّة على شاكلة مؤسَّسة "اتحاد الكتَّاب العرب" وما شابهها من مؤسَّسات تدجين للمثقَّفين. أمَّا "الناجون" من هذا المصير فهم الذين استطاعوا فتح بابٍ ثالثٍ للهجرة.
عامل آخر قد ينهي المسألة، وهو اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات في الداخل الإيراني، وإذا أضيف هذا العامل إلى مفاعيل العقوبات الاقتصادية والتطورات التي قد تحدثها انتفاضتا العراق ولبنان، فإن عودة إيران إلى ما وراء حدودها الدولية تصبح احتمالًا واردًا بقوة، ما يمهد السبيل لنهاية حقبة بائسة من حياة الإيرانيين، كما بالنسبة إلى حياة شعوب البلدان التي تغلغلوا فيها.
ما أن لفظ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، آخر حروف بيانه الصحافي عن توقف واشنطن عن وصف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية باللاشرعية، حتى تصدر الفرزدق الفلسطيني شاشات الفضائيات، شاهراً لسانه زاعماً، لا عازماً. لم يعد عدّاد أيامنا قادرا على إحصاء المرات التي نفخ فيه الفرزدق الفلسطيني عنترياته واعداً بالويل ومتوعداً بالثبور
لم تغتنم الشعوب هذه اللحظة التاريخية، كانت تعتقد بعودة الشيوعية، السند الداعم للبلدان النامية والعالم الثالث، وكأنه لا يصح للقدر الشيوعي الغياب عن عالم كان بالشراكة مع الإمبريالية، ولا يعقل أن تدع روسيا نصيبها منه نهباً للرأسمالية. فاعتبر سقوط الاتحاد السوفييتي كبوة عارضة، سرعان ما سيستعيد موقعه، فالماركسية لم ينزح ظلها وثقلها عن سماء الفكر، لولاها سيعود العالم مجهولاً.
التفاهم التركي الروسي الأخير لوقف العمليات العسكرية مع قسد في الشمال، يخدم الروس في اتجاهين. أولاً في ممارسة الضغط على تركيا لتحديد مساحات صراع ونفوذ محددة لها، وثانياً في ممارس الضغط على قوات سوريا الديمقراطية “قسد” للاستجابة للمطالب الروسية، أو التعرض لنيران التصفية التركية، كما قال بوتين تماماً.
الحقول التي حرثتها للتو، ثم هذا الجليد، و الضباب،
و قطرات الندى البراقة كالأحجار الكريمة، و أتساءل:
كم من إله يعيش في الجوار؟