وبعث الأمير عبد العزيز بن محمد الى سليمان باشا الكبير والي بغداد العثماني رسالة مصحوبة بنسخة من كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) وطلب من الوالي أن يجمع علماء بغداد للنظر في الكتاب واعتناق مبادىء الدعوة السلفية. إلا أن جواب الوالي جاء شديداً حين قال:(بعد أن طالعناه وفهمنا فحواه وجدناه كتاباً جامعاً لشتات من المسائل مشتملاً على عدة رسائل لكنه قد جمع فيه بين غث وثمين وقوي ووهين ووجدنا أحواله أحوال من عرف من الشريعة شطراً ولم يمعن فيها نظراً ولا قرأ على أحد ممن يهديه الى النهج القويم ويدله ويوقفه على العلوم النافعة التي هي الصراط المسقيم)(4).
تابع الفلاسفة والمفكرون مسيرة التطور التي شملت كافة الميدان الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي ساعدت على صعود الديمقراطية، ومهدت الطريق لتغييرات جذرية حدثت في المجتمعات الغربية عموماً وفي مقدمتها الحرب الأهلية الإنجليزية والثورة الفرنسية وحرب المستعمرات الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني والتي غيرت تاريخ المنطقة برمته، نتيجةً لتراكمات الفكر الفلسفي والجهود الكبيرة التي بذلها المفكرون في هذا الميدان، من أمثال دوركهايم وهيجل وستيوارت مل وآدم سميث وماركس وكانط وروسو ومونتسكيو ...إلخ.
تحسن قراءة روايات (إيزابيل الليندي) مثلا وغيرها من أمثالها، التي تؤرخ للقسوة المريعة في عمليات تنصير أمريكا اللاتينية والجنوبية، مرفقة بدعاوى إيمانية وإنسانية وروحية، يفضحها الجدل الداخلي والصراع، داخل الجماعات المبشرة بالجنة حيث أرواح البشر وأحلامها سماد لأشجار وأعشاب الدنيا وأجساد الضحايا سياج لها.. ولا أدري إن كان تاريخ أحد خاليا من هذه المفارقة بين الدين والإنسان في التاريخ، وبعيدا عن المنظومة الفكرية الدينية
يُرجع الدعاة عادة كل الويلات التي وصلنا إليها إلى مؤامرة كونية ضد المسلمين، كتلك المؤامرة التي يدعي النظام السوري بأنها تُحاك ضده، حيث إن أعداء الإسلام-بزعم هؤلاء- يتربصون به من كل حدب وصوب ويكيلون إليه التشويه والخراب بغية سحقه وتدميره، من أجل ذلك عاش المسلمون قروناً من التناحر والجهل، وإذا كان ادعاء النظام السوري حول المؤامرة ضده قد بدأ ببداية الثورة السورية فإن ادعاء المسلمين بدأ بالحروب الصليبية،
( إن الرجلَ من أهل الجنة ليشتهي الطائر وهو يطير فيقع متفلقاً نضيجاً في كفه، فيأكل منه حتى تنتهي نفسه ثم يطير، ويشتهي الشراب فيقع الإبريق في يده ويشرب منه ما يريد ثم يرجع إلى مكانه ) " الطبري" ــ جامع البيان في تفسير القرآن ".
كما ذكرنا عن الشهوات التي يشتهيها المؤمن داخل الجنة، أنها تكون أمامه ولا داعٍ إلى الذهاب إليها، وهذا الحديث الصحيح المذكور أعلاه، يدحض ما جاء في بعض الأحاديث على أن أهل الجنة هم من يسعون إلى ما يشتهون ويأخذون ما يرغبون لمجرد ذهابهم إلى مكان مطلبهم.
شهد صعود الفكر الديمقراطي طوال تاريخ البشرية العديد من المحطات، حيث بدأ من أكثر صور الحكم الديمقراطي تخلفاً وصولاً إلى أرقى أشكاله كما هو الحال في وقتنا الراهن. ولعلّ أهم مرحلة مرّت بها الديمقراطية هي إبان عصر اليونان وحاضرتهم الذائعة الصيت أثينا، فقد كانت نقطة الانطلاق في بداية مسيرة الديمقراطية. حتى تحولت الديمقراطية لسمةٍ من سمات الحكم اليوناني القديم، على الرغم من سيطرة بعض الطغاة بين الفترة والفترة على مقاليد الحكم في أثينا ومدن اليونان الأخرى. ولكن الجماهير اليونانية كانت دائماً تقف في وجه الطغاة لترجّح الكفة لصالح الديمقراطية من جديد.
حين توفى النبي محمد بن عبد الله، لم يحدد من يخلفه من بعده، الأمر الذي أدى لأن يدّب الخلاف بين المسلمين، على منصب الحاكم قبل أن يوارى الثرى. وهذا الخلاف من الناحية السياسية يمكن اعتباره ظاهرة طبيعية، حيث يمكننا النظر إلى الأنصار والمهاجرين على أنهم أحزاب سياسية تتناقش وتتجادل وتتنافس، لتصل في النهاية إلى رأيٍ توافق عليه الأغلبية. ومن هذا المنطلق اجتمع الفريقان تحت سقيفة بني ساعدة، ليختاروا الخليفة،
فالحقبة التي كانت في الجاهلية تعلم بالدين الذي قبلها، فهل الناس الذين ماتوا ميتة الجاهلية كما يُقال ..لهم ذنبٌ إن لم يكن لديهم رسول وقتها ينقل لهم الهدى والفروض والتوجيهات الدينية والدنيوية الصحيحة؟!؛ فمعظمهم وجدَ دون أن يُلقّن دينه جيداً أو حتى يسمع عنه.. فما هي تلك الميتة وما حُكمها وما نتائجها في الآخرة؟!.
من هنا جاء المبدأ الذي حكم به الطغاة، واستغله الملوك المستبدون طويلاً في أوربا ألا وهو:"كل سلطة فهي مستمدة من الله ..."، وهو المبدأ الذي يبرر الطاعة المطلقة، والاستسلام الكامل للطاغية أينما وجد!. ونتيجة لذلك ظهر الحق الإلهي المقدس للملوك. وكان هناك العديد من الفلاسفة والمفكرين الذين حاولوا الدفاع عن هذه النظرية ".
يسمّي علماء الاجتماع المعاصرون البشر "ممثلين اجتماعيين"، كونهم يؤدّون أدوارهم على مسرح الحياة كما يؤدي الممثلون أدوارهم على خشبة المسرح. على مسرح الثورة أيضاً، يؤدي الجميع أدواراً في لجّتها، بحسب المعنى منها بالنسبة إلى كل شخص، وكما يرغب في مكابدتها، أو بحسب ما اضطُرّ إليه. في أثناء معايشة الثورة يتشكل في كل لحظة، مخيالٌ جديد، وهو طريق الثائرات والثائرين إلى أدوار ثائرة، خصبة وحيوية