" يا للمسيح. حسنا أنك لا ترفعي من معنوياتي أو تغشيني بنفسي". و وضعت آخر قطعة من الكعك في فمي.
لاحقا، غادرنا الاستراحة و الذراع بالذراع، و ذهبنا من الشوارع الخلفية لسوهو. و في الطريق أخبرتها عن ساعات الرسم و الوقوف فيها كموديل. كنت دائما أتوق كي أصبح موديلا حيا فهي طريقة مناسبة لكسب المزيد من النقود، و لكن حاليا أدرك أن الجلوس بلا حركة في إحدى الوضعيات لفترة طويلة يشبه الانتظار لدهر بكامله، وهذا لا يربح منه الإنسان غير التقاط البرد و الإصابة بالزكام.
كان والده غائبا حين وصوله. ترك وراءه نسخة من فرايزبره هيرالد فوق الوسادة. تناولها ديريك و قرأ وقت المباراة بكرة القدم- ظهرا، بعد عشرة دقائق فقط. أسرع إلى غرفته و رفع الفراش و التقط النقود المعدنية من تحتها. و ما أن امتلأ جيبه بها، حتى ملأ حقيبتين من البلاستيك بثيابه، و حذائه و كل أشيائه.
تحت السرير، رأى كتاب المكتبة الذي انشغل بقراءته: سد هيرميستون****- لم يستكمل قراءته بعد. و لكنه لم يهتم لأن ستيفنسون نفسه لم يضع له نهاية. حمل وصل الاستلام الذي يستعمله كإشارة بين صفحات الكتاب و كتب ملاحظة على قفاه: سأكون بخير. ديريك.
يلزمك أن تكون أشجع كفاية لترك نسختك القديمة، وخلق أخرى أجدد، اكتسب ذاتك من خلال المعارك، اقهرها وحقق مستويات جديدة.
أو بإمكاننا أن نطلق على ذلك "بناءً أفضل للشخصية"، أمر سهل؟
"لا"
إن الجانب الأصعب هنا لا يتعلق بالبناء، لا، إنما بتدارك ما أنت عليه الآن، لماذا يجب أن تقوم بالتغيير، وما الذي تود فعلاً أن تصبحه.
لأن الموجود الإنساني في تغيّر وتطوّر مستمريْن. ما إن يستشعروا الملل حتى يبحثوا عن المزيد.
على الشاطئ، كيف يمكن أن أتركها هناك،
مضمخة بدخان محتمل و حلو المذاق
يأتي من أغنية الحوت، من زقاق الإبحار بالسفينة، من ضربات المد،
لاار الصيف فقط؟.
وهكذا، هذا الطوف الخشبي ينطلق إلى البيت،
تسحبه و تجففه، و تتركه ليكون مقطرا
عن يمكن أن تحترق أبدا، أو تتخلى عنها
لند جدار السقيفة، يستقبل النور،
وربما، لثلاث ساعات كل يوم.
يكفي أن تطلق لسانه الذهبي بالغناء
ولكن رأس الفأس يغني من خطاف في الجدار؛
ومن جانب آخر هناك مقاربات تنظر إلى الأيروتيكي كقوة قادرة على تهديم المفاهيم الميتافيزيقية الغربية القائمة على الثنائيات. في دراسة الناقدة جوستين تالي “التي تناولت رواية توني موريسون “الفردوس وذلك الجسد” إشارة إلى تلك الآلية التي تفكك فيها ثقافة الرغبة المنظومات الثنائية التي قمعت الذات الأنثوية. توظف تالي نظرية جوليا كريستيفا لتحليل خضوع الشخصية الروائية الأنثوية كنتيجة لفقدانها الهوية في النظام البطريركي.
أغرب ما في ذلك أن هذا أقل مخاطر عملهم و هو لا يرقى لمشكلة انهيار المباني و الأقبية المتصدعة و الانفجار اللاحق في أنابيب الغاز و الوقود، و سحابات السموم التي تنبعث من عدة مصادر. مع أن هذا كان في بدايات الحرب التي مروا بها. مر أحدهم بمحنة الوقوع في فخ بسبب قنبلة و تحرر بغيرها. و الآن ينظر لما حصل بحيادية كما لو أنها قوى الطبيعة، أو الشهب، التي يتصادف أن تضرب بقوة هنا في فصل معين. كان بعض الطاقم من هواة أوقات الحرب. أحدهم موسيقي و اعتادت أذنه الآن على الأصوات و تفسير ضجيج القنابل
نحو حلم نرجسةٍ غارقةٍ في الإنتظار,
والمُصّلون عبروا الحديقة على عجلٍ
قبل أن يُكسرَ وضؤءهم,
المقاتلون أدخلوا الطمأنينة قي قلب الأرض
ببعث رموش الليل,
غاسلين الصدأ عن الأصداء القديمة,
مؤاربين بنادقهم عن أعين الأطفال.
البستانيون أخمدوا أغنياتهم الأخيرة,
وأقدوا القناديل لِسهرات الملائكة,
متكئين إلى نعاس الصفصاف,
مُنصّتين قلوبهم إلى أغنيات جبل
گویژه*.
وأنا أغني تحت نرجسةٍ,
وحيداً في هذه الحديقة
مثل قبر شيركو بيكاس**
___________
نكست نانسي رأسها. و لعدة دقائق انتابها الشك حول المدرسة؛ و لكن لعدة دقائق فقط. و لم يتمكن حظها التعيس أن يعميها عن أحوال زوجها المغتبطة. نظرت إليه وهو ينطوي على نفسه فوق الكرسي. كان كتفاه منحنيين و مظهره العام شاحبا. و لكنه أحيانا يدهش الناس بانطلاقة مفاجئة لطاقته الكامنة. و بوضعه الحالي، كانت كل قواه البدنية تتجمع وراء عينيه العميقتين، حيث توجد طاقة نفاذة. كان في السادسة و العشرين فقط، و لكنه يبدو في الثلاثين و أكثر. و مجمل القول، لم تنقصه الوسامة.
قالت نانسي بعد فترة بلغة تشبه ما قرأته في المجلة:" لو أخبرتني ماذا يدور في رأسك سادفع لك مكافأة".
شربت القهوة في إيوستون، مرة أو اثنتين، في طريق العودة. و أحب حساء الخضار أكثر من حساء البندورة. و كنت أتناول طبقا حينما رأيت على الطاولة أمامي هذا الرجل،يغط بالنوم. و لكنه كان يتكئ على كوعيه، و يحك رأسه. و كان شعره يتساقط من رأسه في الحساء، كان ينام مثل ميت. سحبت طبقي بعيدا. و لكن في الخامسة أغلقوا المكان لتوضيبه. و لم يسمحوا لي أن أبقى. و صديقتي لم تكن تحب أن تبقى. لو أنها حاضرة. لم يكن بوسعي شراء كوب شاي. طلبت كأسا لكنهم لم يسمحوا لي بالجلوس. و لا حتى لو رفعت قدمي عن الأرض لتنظيفها.
مع ذلك لا يزال لدينا أربع ساعات. فهم يغلقون لساعة و نصف. و بمقدورك المغادرة إلى الضفة، و لكن لم أذهب إليها إلا مرة واحدة. و دائما معي لفاحتي. و لا أتخلى عن طلاء الشفاه. و أنظر نحوهم. مع ذلك لا يحفلون بي.
"و لكن أعلم!. بسببك فقدت شخصيتي المستقلة. انت لست كما 'أنت' بعد الآن. و لكن 'أنا' كعهدي 'أنا' دائما. ' أنا' تخيم 'عليك' و تحولك إلى لاعبة منفردة. أنت غريبة في كوكبك الخاص. و لست بحاجة لابتسامة ثمينة للمناسبات فقط. كنت في السابق تمتلكين ابتسامة لا تقدر بثمن لتربحي قلوب الناس و تستميلينها".
كانت توجد كتلة في حنجرتها. و خيال احتل روحها و قيدها. الحقيقة تأتي مع مرارتها. إنها صادمة، حادة،