مرّ عام على آخر مرة سمعتُ فيها هذا الدعاء الطيب، فى ختام كل محادثة تليفونية بينه وبينى. بعد كل مقال، وكل قصيدة، وأى خبر عن كتاب جديد صدر لى أو سفرة إلى مؤتمر، لابد يهاتفنى. إن تأخّر الاتصالُ، أعلمُ أن رصيده نفد، فيقترض جنيهًا من زميل المقهى ليكلمنى. عبثًا أحاول أن أقطع مكالمته وأكلمه! هنا تعلو الكبرياءُ رافضةً: انتى بنتى، أتعب عشان أكلمك زى ما تعبتى فى مقالك الجميل ده. ربنا ما يقصف لك قلم!»
أول حركة يقوم السوري بها حين يفتح عينيه صباحاً أو فجراً أو ظهراً أو أي جزء من النهار هي فتح التلفاز و تشغيل زر الكومبيوتر و تراه لا يضيع نشرة أخبار هنا و هناك، كلُ حسب قناعته بنشرات الأخبار و مصدر بثها و عرضها.
و السوري في الداخل لا ينام و لا يصحو و لكنه يمشي على الروتين نفسه بين الأقنية و النت و وسائل الاتصالات الممكنة ليمارس الطقوس ذاتها..
حكاياتي تنامُ في زوايا حديقةٍ خلفيةِ . زوايا غرفةٍ معتمة . زوايا سريرٍمهجور
أشجارُ حديقتي تتنصّتُ على الغرباء الذين يدخلون الدّار . تبوحُ لي بأسرارهم.
ربّيتُ أزهارَ النّارنجِ على الغضبِ
وورودَ الصّيفِ على النّوم باكراً
كنتُ على سفرٍ
فيلم لا مخرج له
والسيناريو بيد الله
هي فرصة ليأخذ أيّ واحد الدور،
هو ليس بالدور الصعب،
فقط على المؤدي أن يموت ويطير للسماء ليقرأ الدور مع الله
هكذا يسخر الأذكياءُ ببساطة، مما يُرغى له الأغبياءُ ويُزبدون. أثبت التاريخُ أن الشعب المصرى هو أكثر شعوب الأرض «خِفّة ظِلّ». فى أحلك لحظات مُرّنا ومرارنا نطلق النكات التى تسخر من حكّامنا، وتجبر الطواغيتَ أنفسَهم على الضحك من أنفسِهم. لولا النكتة فى حياتنا، لفنى هذا الشعب العظيم الذى ذاق، على مدار الزمان، ما لم يذقه شعبٌ آخر من غزو واحتلال واعتقالات وحروب وثورات وتجويع وتجهيل وإمراض ومحن طبقية وطائفية وعنصريات وغيرها. ما أكثر وأجمل النكت التى تسخر من الطائفيات
دخل العربة المخصصة للسياحة الداخلية شخصان، صاح أحدهما: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تمتم الجميع في قرارة أنفسهم: "الله لا كان جاب الغلا"; (هويات ... هويات...) فبدأت معركة مدّ الأيادي في أحشاء الحقائب النسائية بحثاً عن الثبوتيات في صمت رهيب، وبدأ صاحب الذقن المتنامي منذ أربعة أشهر في الفحص والتدقيق والتمحيص كأنه أصم وأبكم وأعمى... بينما انطلق الآخر في إذاعة الخطبة التي كان قد حفظها في كُـتيبات الأمراء الجدد: (... يا إخوة الإسلام أبشروا، فالخلافة قادمة .....!،
ا يتسع القلب لمجزرتين في يوم واحد، مجزرة الحديد والحجر، ومجزرة البشر، "البيضا" تصطبغ بدم بريء وتودّع مئات من أطفالها ونسائها وشبابها محزوزي الأعناق، و"الدير" تودع خليلها "الجسر المعلّق" يحتار الشاعر بين رثائين: رثاء التاريخ ورثاء من يصنعون التاريخ، لا مفاضلة بين حزن وحزن، بين مجزرة ومجزرة، ولكن القلب لا يحتمل ولا تحتمل القصيدة. العالم متمْسح وصامت ويستعذب لون الدم السوري، يستعذب دخان الانفجارات ويستعذب حريق أجساد أهل "البيضا"
منذ دهر والشتاء يهطل والغيم يسبح في سماء ، سور من القصائد لمن أحبو ، ويعود الشتاء ، ولما أرادت القصيدة أن تلمس بذاتها خفر السور ، انحنت أمام غناء متكئة على حقيبتها ، وبذراعها اللأخرى كانت تحفر على الهواء وجود ، ارتفع الحمام يرفرف ، دار حولها مراراً ، لم تكن ليلة إلا وجها للوجع والأسئلة ، وغياب يشدها ، تدخل في أكواخ الحمام ، يلسعها بريق ، تطير ثيابها في جرس ما تريد ، وما تريد هي ، استمعت إلى غناء أحد أو المكان ، ردد الصوت وميل اللحن : قولي معي ،
حبيبتي. أنتمي إلى مدينة الفسق. يسمونها بلدَ العشق. يعتدي فيها الرّجل على المرأة بأشكال متنوعة، ومن ضمنها ألفاظ الحبّ. أبناءُ مدينتي المنسية يحبّون على الرّائحة، وبالاستشعارِ عن بعد. يبتكرون قصص حبّ أمام أنثى افتقدت كلمة التّعاطف في حياتها، تريدُ أن تلتصق بقصّة تبرّر لها آلامها، وتضفي عليها لوناً أرجوانياً توشّيها به. تبدو فينيقية تخطفُ الأبصار، وما الأمر في الحقيقة سوى لعباً على المشاعر، فكيف يمكن لرجل عدّد إلى مالانهاية أن يعرف الحبّ العميق الذي لا يعرف الزيف؟.
الثورة ...
تُكثر انتماءاتها
فيسهل خيانتها.
كثُر حبنا للثورة،
وكثُر تأشياؤتنا الثورية