كان زوجي يوصيتني في كلّ مرة : إذا متّ . ادفنوني قرب أمي في عامودة ، كي لا أشعر بوحشة القبر ، وسأترك لكِ مكاناً قربي لأنّني لا أستطيع أن أكون وحيداً ، كان له ما أرادَ . والطريق إلى المقبرة في عامودة اسمه " طريق العشاق " والمقابرُ معتنى بها ، وعلى سطح بعضها حفرٌ صغيرة تملأ بالمياه كي تشرب منها الطيور ،
لأن الطبّ النفسيّ كان معدوماً في بيئتنا، الفقيرة، فلم يجد الأهلُ تفسيراً لامتناعي، فجأة، عن أكل اللحم في تلك الفترة؛ وهيَ العادة، التي بقيتُ مثابراً عليها حتى سن العشرين، حينما بدأت دورة الأغرار في كليّة الدفاع الجويّ. وعودة إلى زمننا الحاضر، المكتنف حالياً بمناظر دامية على مدار الساعة لأطفال سوريّة الشهداء، من ضحايا النازيّة الأسديّة. إنّ المرءَ ليتساءل، في هذه الحالة، عن أولئك الصغار من الأحياء الناجين، المشرّدين داخل وخارج الوطن:
منذ مدة انتظر أن اسمع صوتاً قادما ً من خلف البحار يقول كفى أيها الأخوة الأعداء لقد آلمني وجعكم .أو أرى أحدكم حاملا ً كيسا مليئا ً بألعاب الأطفال وأدوات الرسم - دون أن يكون له مآرب سياسية - لم أرى سوى شحنات البارود والبشر المعدون للانفجار توزع على امتداد أطراف الأزمة بحماسة من يتلذذ برائحة البارود والقتل أيها العالم قبل أن تقرأ مدائحك على قبري
يعنينى، وفقط، المواطنُ المصرىُّ الذى لا يعبأ بالشاشات والفضائيات والشعارات والبروباجندا و«الشو»، مثل بعض النخبة، مثلما لا يعبأ بالمغانم والمطامع واكتناز الثروات والأسلحة والمقرات والمؤسسات والأرصدة البنكية، كما يفعل الإخوان والتيارات الإسلامية، الذين «سرقوا» مصرَ، وباعوها لبلاد قزمة، بعدما خطفوا الثورة من الثوّار
ي ميونيخ، حيث روحي عزلاء منذ أكثر من طوفان للحنين، والأرض التي أنتظر عليها تتآكل، حتى بتُّ أقف على إصبع واحد في صف الغرباء الطويل، وكان نوح يقطع أشجارالفرات التي جاءت معي ولا يريد أن ينتهي من بناء السفينة. في الثورة اختلفت موازيني، اتسعت أرضي وأعاد أصدقاء جدد وقدامى (سعاد، محمد، ميديا، هيفين، محمد، صلاح، عمر، وليد، خلدون، غسان، رغداء، سوسن، أنس وأنس، أبو وليد وأم وليد، شيار، وآخرون صبايا وشباب وأطفال،
نلبس عريّنا
ونمضي نرقص ونزداد تعباً،
وتأخذ أعضاؤنا تنفث ناراً وعرقاً
ولا نرغب في الوصول،
لكأننا خرجنا لتونا إلى الشارع وتعرفنا على وجوهنا
لكن بوقوفنا على الواقع، فإن هذه المنظومة القيمية والفكرية لا تتعدى أن تكون حبراً على ورق، وبرهاناً آخر على عدم الترابط العضوي بين أركان النظام المختلفة، وخاصة فيما يتعلق بعملية اتخاذ القرار السياسي، ناهيك عن القرار الأمني والعسكري، فلو وقفنا أمام بعض الإجراءات الإصلاحية، فسنجد بأن الدستور الجديد والذي أقره النظام باستفتاء شعبي، أحادي القطب! قد ألغى المادة الثامنة من الدستور الذي سبقه، والتي تنص بأن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع،
وشريف، أيضاً. حتى أنه، ومنذ وصوله بالسلامة على أجنحة الأمن الملائكية، أمرَ أنصاره بتخريب المظاهرات في القامشلي باعتدائهم على العرب والآشوريين، المشاركين، وكذلك برفع أعلامهم، الحزبية، لاستفزاز المكونات هذه، غير الكردية. وبالنتيجة، يحاولون تحقيق هدف السلطة الأمنية، بزرع الخلاف بين صفوف المتظاهرين تمهيداً لوأد الثورة
مرّة أركضٌ وراء علبةِ دواء ، وأخرى من أجل سدّ رمقي من على الأبواب ، لقمتي ملوّثة بكلّ الموبقات ، وحياتي مرهونةٌ إلى جزرِ النفاق ، وأنت ترتدي بزّة نظيفةً جديدةً . عطرك نفّاذ . من أين لك كلّ تلك الأشياء ؟
أحدّث نفسي بمفرداتٍ غريبةٍ
ماذا يعنى أن يختفى رئيسٌ كلما هزّت أركانَ المجتمع كارثةٌ، وفى «التوافه» يخرج ليطارد الميكروفونات مستسلمًا لشهوة الكلام الكلاشيهى المكرور؟ يعنى أنه رجل فقيرٌ سياسيًّا، لم ينضج ليستحق أى كرسى سلطوى. والأخطرُ أن الوطنية تُعوٍزه، فلا يعبأ بدم مواطنين يُهرق دون جريرة سوى أنهم أحبوا بلدهم أكثر مما أحبها هو! وماذا يعنى أن تذهب قرينة ذاك الرجل لكى «تتفسّح» سرًّا