وبعيداً عن رومانسية الكلمات والغوص في نهايات الموت والخراب، بعيداً عن الوجع ومآلات الدموع، إذا ما نظرنا إلى النصر الذي يتشدقون به من زاوية الممانعة واستحضار الكلمات الكبيرة عن التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني والقوى الإمبريالية، فأي نصر ذلك الذي يزعمه النظام عندما يسلم سلاحه الكيماوي صاغراً وعلى طبق من ذهب؟ أي نصر عندما يستبيح الطيران الإسرائيلي الوطن ولم يعد النظام قادراً حتى على التوعد بالرد بالوقت المناسب أو غير المناسب؟
النصر لا يمكن أن يكون لمن انهزم الإنسان فيه،
على أن نجاة موسى من الموت قتلاً على يد إلهه لم تكن سوى نجاة مؤقتة، والرب سوف يقتله في النهاية هو وهارون على الرغم من كل ما قدما له، وذلك بسبب خطيئة طقسية ارتكبها موسى من غير عمد وفي لحظة إحباط ويأس أثناء قيادته للشعب في سيناء. وكان أن أصدر الرب حكمه بالموت على هارون بعد الإقامة الطويلة في سيناء (العدد 20: 20)، أما موسى فقد جرى إمهاله حتى وصل بقومه إلى ضفة نهر الأردن، حيث أصعده الرب إلى قمة جبل نبو وهناك قتله (التثنية 32: 49-53).
من الواضح بأن الأميركيين قذ "خذلوا" حلفاءهم مرة أخرى، ليس في نتائج المباحثات تحديداً، بل بطريقة إجراءها وكتمان أمورها وخباياها عن أقرب المقربين. والمقربين هنا، لا يُقصد بهم الدول العربية الحليفة، فهي لم تكن يوماً رقماً صعباً أو مهماً أو متقدماً في اهتمامات الادارات الأميركية. وهذا ليس نابعاً من افتراض سهل يتعلق بتبعية بعض أعضاء هذا النادي العربي النسبية والمتفاوتة وغير المؤكدة، بل من ملاحظة التصرفات الأميركية في إدارة السياسة الخارجية وتحريك أحجارها في الرقعة حتى دونما التدخل في أحجار الآخرين. المقربّون إذاً، هم الدول الغربية الفاعلة
وأخذت أفكر وزجاجة البيرة تسخن بين يديّ في هاته البنات القادمات من اليابان يدرسن اليزيديين, وطرائق عيشهم وطقوسهم الدينية والحياتية ,والشوايا, أو فلاحي البدو وكيف يعيشون, ويفكرون, وينتخون, ويحاربون, وشيوخهم, وعباداتهم, وعلاقاتهم بالمدينة, وما المدينة لهم, المدينة التي لم تقدم لهم إلا الشرطة المرتشية, والسياسيون الفاسدون, والمنشورات الكئيبة التي يسمونها تعليمات حزبية, بينما يأتي هؤلاء الناس من آخر الدنيا لايريدون ظاهريا إلا العلم, ولايريد طالبو الوظائف لدينا إلا أصواتهم, ولايعرف الكتاب عنهم إلا ما يقرأونه لدى الكناب الغربيين الرحالة, ولا الصحفيون إلا ما يرونه من نافذة القطار أو الباص.
الإيروتيكا ليست هي العلاقة الحرة ( ليبيرتيناج ) لأن هذه الأخيرة علاقة «فاسقة» في حين الأولى علاقة «عاشقة». «العلاقة الحرة» لا مبالية جنسيا : الإغراء، وحب الذات، والتحرر من كل الالتزامات هي مظاهر الحرية كما يجسدها دون خوان مثلا. حرية تلعب بالنار وتريد أن «تقود الثور من قرونه» (ميشال ليريس) كناية عن تقارب القوى الجنسية (إيروس) بالموت (طاناطوس). الإيروتيكا ملأى بالمشاعر الإنسانية، مبالية بالبعد الجمالي والغرامي للعلاقة.. هي تعبير عن الجانب الحضاري في الإنسان كالفن والأدب، (الأدب الإيروتيكي..).
وتمتد لحظة التعاسة في المغامرة العشقية حتى لتكاد تشمل تجربة العشق كلها، ففي هذه اللحظة يقوم العاشق باستدارة كاملة وتحول مطلق يكاد يكون إنكارًا ونفيًا إذ إنّ ميله للجنون ورغبته في الانتحار تدفعانه إلى تقبيح الصور والتمرد على سلطتها ومفعولها. لذلك يميل العاشق إلى إنكار الحب فهو ينفي أنه وقع تحت تأثيره ضعفًا ووهنـًا بل أنَّ معشوقته قد لاذت بـ“النفث بالعقد” للإيقاع به. وعندما يسقط العاشق عن المغامرة العشقية منطق أبعادها الواقعية فإنه يُسلم نفسه إلى الانتحار، لأنّ إفراغ المغامرة العشقية من محتواها هو انقلاب على الذات التي لا تملك سبلا في مواجهة المعشوقة التي تماطل عاشقها.
ورغم محنته، فقد ظلّ ابن رشد، مبتدع مذهب ‘الفكر الحر’ كما قيل عنه، رغم أسبقيّة أبي بكر بن الصائغ (ابن باجة) الذي يعود له الفضل في تحرر الخطاب الفلسفي وتلميذه ابن طفيل ، شامخا بفضل حرّيته الفكريّة واستقلاليته وعدم تبعيّته لأحد، بما ينطبق عليه قولة فريدريك نيتشه ‘ امتياز امتلاك المرء لنفسه لا يقدر بثمن’. و لذلك فقد قال ابن رشد عند موته كلمته المأثورة في ذات السياق ‘تموت روحي بموتِ الفلسفة’. لكنّ ما حصل هو العكس تماما. إذ أنّ الفلسفة الإسلامية هي التي ماتت بموت روحه، فهو دون شكّ اخر فيلسوف مسلم.
كان الصدام بين المشروع السوري المتحرر من تدخل البيروقراطيين, ورجال الأمن الذين ليس من يعرف اتجاه بوصلتهم الولائي منذ المكتب الثاني الفرنسي, وحتى الآن, وبين.... المشروع الصهيوني, وكان هذا الصدام الحتمي يعاني من مأزق وقوف السوري وحيدا من حيث الواقع فهو بلا تسليح, ولاتخطيط للمعارك, ولا خبراء يوجهونه للحرب الحديثة, و...من حيث العون العالمي, أما المشروع الأوربي في فلسطين, فكان المغناطيس الجاذب للعون من كل العالم الغربي, فالدول الشيوعية تقدم له كل العون, فهو مشروع "اشتراكي" في أرض الإقطاع والبداوة المحتاجة إلى التحديث,
قبل خروج «أصدقاء صيدنايا» من السجن بأسابيع قليلة، حوصرت درعا، وفُضّ اعتصام الساعة الأكبر من نوعه في مدينة حمص بطريقة وحشيّة من قبل قوّات النظام، واستُفزّت القرى والمدن الثائرة بشتّى الوسائل القمعيّة، مع تسهيل متعمّد لدخول السلاح لها عبر الحدود. وبعد خروجهم بأقلّ من أسبوع، تحقّق مُراد النظام أخيراً، فكانت مجزرة جسر الشغور التي قُتل فيها حوالي 120 شخصاً من قوى الأمن حسب الرواية الرسميّة، في أوّل تحرّك ثوري مسلّح واسع ومنظّم، يكتسب بالطبع –أو يسهل إكسابه– صيغة «إسلاميّة»، ويساعد في ذلك المكانة التاريخية للمنطقة التي حدثت فيها المجزرة!
وما بين الراوية في "مديح الكراهية" وسوسن في "لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة شرخ يمتد ليؤسس تناقضاَ على مستوى الوعي والقيم والأخلاق، تناقضاً يعكس ذلك التصدع في بنية المجتمع وتحولاته نحو الاستلاب والتخندق في أحد الطرفين: إما المخبر أو المقموع، إما السجين أو السجان، إما الماجن حتى الثمالة أو المتدين حتى التطرف، يقود الصراع في الروايتين التحولات إلى أقصى النهايات إلى التطرف، فمن حلم برابعة العدوية والتصوف إلى متطرفة تدعو إلى قتل الآخر في رواية "مديح الكراهية".