ثمة قول مشهور يكرره كل المهووسين بالتاريخ والماضي المجيد, عن الناس وعلاقتهم بحكامهم, وقادتهم و زعمائهم يلخّص الاسلوب النمطي في التقييم, نقصد بذلك التقييم الذي يميل نحو الهيّن من التحليل, أي الذي يفضل الطريق الأسهل والجادة المطروقة, على وعر المسالك, فيختصر علاقة الحاكم بالمحكوم بالشكل التالي: "الناس على دين ملوكهم" وليس المقصود هنا الدين فقط بل الديدن وكل ماهو قابل للتقليد على أساس الاقتداء بالقدوة الحسنة. طبعاً في بعض الحالات قد يتحول الاقتداء إلى عملية استنساخ لا تراعي الخصائص الجينية للأصل ولا تراعي تقلب الدهر وتحوّل الأيام التي تزيل من طريقها كل عائق, فينتج عن ذلك نسخة مشوّهة, توضع كأيقونة للتقديس أو كطوطم لأراوح الأجداد الخالدة. يقف في طريق التغيير.
رحل الإستعمار, ولكنه ترك لنا المؤسسات التي لا يستطيع تخيل المجتمع من دونها, ترك لنا حرية الصحافة, وحرية تشكيل الأحزاب, وحرية التظاهر, وحرية الملكية واحترامها, وعدم التجاوزعليها إلا بحكم قضائي, وتكافؤ الفرص, والتعويض الكافي للعاملين في أجهزة الدولة, فلا يتحولون إلى مرتشين, إلى آخر هذه الحريات التي استطاع الحكم الغربي فيها جعل المجتمع ينتقل من النظام الإقطاعي إلى البورجوازي الذي يمكن التبادل الإقتصادي معه, ولوبشروط الغربي.
في ثلاثينات القرن الماضي كان للشخصية الوطنية العراقية محمد جعفر أبو التمن أحد مؤسسي حزب "الاستقلال" ثم الحزب الوطني الديمقراطي, رأي في دخول العسكر على خط السياسة يؤكد فيه إن تورط الجيش بالعمل السياسي سيجلب الكوارث على البلاد. وحدث إنه نفي مع آخرين من الأحزاب المعارضة إلى جزيرة قرب عُمان لمواقفه من احدى الحكومات في العهد الملكي, ثم قام بكر صدقي بانقلابه العسكري الذي أطاح بالحكومة التي نفتْ أبو التمن وأعاد المنفيين,
كان في النصائح الكثير مما يرعب الناس في سورية وخارج سورية والذين ظنوا الرجل بعثيا, أو قوميا, أو وطنيا, أوحتى جمهوريا, فالرجل كان ببساطة موتورا... طالب ملك, ولو على أبراج من جثث, وتابع قوله لابنه : غربل ذاكرة السوريين لتعرف من هوالملك الذي خلدته ذواكرهم أكثر من كل الملوك الذين مروا عليهم, فهم ينامون ويفيقون, ولا يكفون عن تذكره, وصمت قليلا ينتظر جوابا, ولكن الابن لم تسعفه الذاكرة باسم يستحق أن يكون نموذجا يتمثله, فمعاوية المكروه سارق الملك من الإمام علي لايستحق التمثل به, وأما نورالدين التقي المحاربٍ, فالقلة يذكرونه, فلقد حجب نوره البطل العسكري المكروه حتى المرارة, مزيل دولة الفاطميين من مصر, صلاح الدين, وإذن؟ ونظر إلى أبيه في استسلام ينتظر أن يذكر الاسم الذي ينام السوريون ويفيقون على تذكره, فرفع رأسه المطرق إلى أبيه, وفحّ: من؟
تغتني حياتنا اليومية بالآلهة والأبطال القادمين من اليونان.في اللغة المعتادة نستعمل (عقب آخيل)، وأغنية البوب (فينوس، فرقة شوكين بلو)، في الصفحات الأولى للجرائد (أوديسا الناتو)، في الطريقة التي نشير بها إلى (أدونيس الموضة)، في اللغة السياسية والسيكولوجية (كائن نرجسي)، (الانخراط في عمل هرقلي)، إضافة إلى العبارات الجاهزة (خرج من فخذ جوبتير’وتعني عريق النسب). وأيضا في أسماء الأماكن (الشانزلزيه)، وعلم الفلك (أسماء النجوم)، في الشعارات
الحق أنه لم يكن للجنس تاريخ، وإنما كان للجنس فقط أسرار، ولم يدخل الجنس أبدًا التاريخ أيضًا قبل اقتحام عصابات علم النفس عليه خلوته. فقد ظل الجنس أسيرًا لرؤية دينية حادة، ولرؤية شعبية ظامئة وخائفة. لكن علوم القرن التاسع عشر الإنسانية عرت الانسان تمامًا أمام قدره، وبدأ المد العلمي يغزو شيئًا فشيئًا ذلك العالم المظلم، ولم يلبث أن أتى العالم النمساوي سيغموند فرويد (1856 - 1939) وأنهى فترة الانبهار بنظريات حاسمة ومعقولة سنة 1905 في كتابه "ثلاث محاولات حول النظرية الجنسية"، ثم من بعده أستاذ الطب وعلم الاجتماع الألماني ريتشارد لفنجستوهن سنة 1958
لم تكن صحوة بعض الجماعات الإسلامية والأحزاب المُمَـثَـلة بشريحة كبيرة في الوطن العربي صحوةً اعتباطية فقط، بل كانت مُصطنعة من قبل دول لها مصالح في تأليب الناس على بعضهم البعض، ووضع الحركات الإسلامية الراديكالية ضمن مساحة صغيرة للتخلص منها رويداً رويداً. تلك الصحوات التي تزامنت مع الثورات العربية كتونس وليبيا ومصر، ونستطيع القول في سورية أيضاً، لكنها تختلف اختلافاً كلياً عن باقي الدول بسبب النسيج السوري وعقلية أغلبية المجتمع في التعاطي مع الإسلام ــ المعتدل ــ ،
مشهد التظاهرات السلميّة المدنية في المدن والبلدات السورية المختلفة، التظاهرات العامرة بصفوف بشرية منظَّمة يحييها قرع الطبول والأغاني والتصفيق والرقص والدَّبكات الشعبية، كان النموذج الأهم الذي دلّل على ولادة جسد جديد في وضعيّة غير معتادة، يمكن المرء أن يقرأ من خلالها ولادة مفاهيم وقيم وسلوكيَّات جديدة. فالتكاتف والترافق والتشابك بالأيدي وغيرها من الوضعيات التي اتخذ منها ثوار الحرية والكرامة في سوريا وضعيّة لأجسادهم المتعاضدة، بدت كأنها تمرّد على وضعيّة قديمة قُسِر عليها الجسد خلال عقود من سواد الاستبداد بثقافته العسكرية المجنِّدة للمجتمع.
العربُ نيام، إذا تعرّت امرأة انتبهوا...
كل الكلام العاهر الفاجر الفاسق، هو اللائق حتما بكل امرأة تُقصّر ثوبا أو تكشف صدرا، كذلك هم فيما يظنّون جازمون، قاطعون.
كل القذارات اللفظية تخرج من أعماقهم نحوها بلا حساب ولا رقيب، ليفرّجوا بها عن شيءٍ من كَرْبهم.
ماذا يعني أن ينشر الاسلام السياسي الخطاب الطائفي, ويتبنى الخلاف المذهبي, ويعود بنا القهقرى نحو الفترة المظلمة ليعلن عن نقطة الغليان؟ ثم نراه بعد ذلك, وقد امتطى حمار الديمقراطية مطالباً بحقه في أن يدلو بدلوه الذي امتلأ قذارة, ليكون قوله هو القول الفصل في قضايا الانسان ومطالبه في الخبز والحرية والكرامة. نحن أمة تعيش على أمجاد الماضي بامتياز, دون الالتفات إلى أي محاولة لإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي بل ولدينا اختلافات كبيرة في تعريف التراث.