لقد ساهم الإعلام في تضليل نفسه، حين تجاهل واقع تطور الوسائل المتعددة التي يمكن كشف الحقيقة ونقلها من خلالها، كالـ" يوتيوب" و" الفيس بوك" وأخرى، وحين لم يسمح للوسائل الإعلامية الأخرى الدخول إلى ميدان الأحداث ونقل الحقيقة، هذا إذا كان هناك أحداث، حسب الروايات الرسمية!، وكذلك حين تجاهل حقيقة " صحافة المواطن العادي"، الذي بمقدوره أن يتحول إلى صحفي بارع، بمجرد امتلاكه بعض الجرأة وهاتفاً نقالاً، فعدم السماح للوسائل الأخرى الدخول إلى الميدان لم يمنع الصحفي المواطن من نقل الأحداث. ،
تظاهرات دمشق من العام 1998 إلى 2003
في العام 1998 عادت التظاهرات إلى دمشق بعد فراغ دام سنين طويلة من «اللاتجمع» المفروض من قبل السلطات السورية في ظل قانون الطوارئ، إن نحن استثنينا المسيرات التي كانت تقام احتفالاً ببعض الأعياد الوطنية أو تلك المرتبطة باحتفاليات حزبية بحتة، واحتفالات مشجعي الفرق الرياضية.
هل يمكن الانتفاضة أن تنتكس؟ هذا احتمال هامشي. هل يمكن أن تنجح؟ الأمر ممكن جداً. فالثورة السورية حدثت في مناخ عربي ثوري، مناخ لا يرضى بأقل من إسقاط الأنظمة، والتخلص من عقود الظلم والإفقار والتهميش والإذلال وانعدام الحرية، وتحكم الأجهزة الأمنية، وبالتالي هناك أسباب مكينة ودفينة، هي ما يحرك الهبات الشعبية، وهو أمر لم يعه النظام حتى هذه اللحظة. يخدم هذه الهبات خروج مدن بأكملها عن السيطرة، وانعدام فاعلية مؤسسات الدولة بالكامل، وانفتاح الصراع مباشرة بين الأمن و «الشبيحة» من جهة وجموع المتظاهرين
كان أرسطو الفيلسوف الأوّل الذي وضع ترتيبا للإلهيات يجعل منها مبحثا منفصلا في كل شيء، من حيث المقولات والمنهج والمقاصد، منفصلا عن مباحث الطبيعيات والرياضيات، فهي أي الإلهيات، تبحث في أسمى الموجودات وأشرفها كالله والعقول المفارقة، ويسمّيها أرسطو بالفلسفة الأولى(1)، وهذا المبحث ذو المقاصد النظرية الخالصة فصله عن مبحث الأخلاق وضمنه السياسة، وهذا واضح في كتابه "الأخلاق إلى نيقوماخوس"(2)..غير أنه يؤكّد على علمية علم الإلهيات لأن هدفها هو الوصول إلى الحقيقة، وبالتالي فهي مستقلة عمّن يدرسه.
إنظروا مرة أخرى إلى مشاهد العنف الوحشي من قبل أجهزة الأمن ضد المتظاهرين العزل ولا تتعبوا أنفسكم كثيراً في البحث عن جماعة "طائفية" أو "عرقية" لتجاهروا وتقولوا: ألم نقل لكم! لا..بل تفحصوا مرات ومرات في "آليات السلطة والخضوع" في بيئة حاضنة، وعندها ربما سترون مثلي بأن "المساعد جميل" قابع في القمقم المسكون فينا، وستعرفون بأن العنف لا دين له ولا طائفة ولا مذهب..إنه الاعتقاد الجازم، غير القابل للنقاش بأن ما نفعله هو في "مصلحة الوطن" ومن "ضرورات الأمن" و"التصدي للمؤامرات" وهذا كافٍ إلى حد بعيد حتى نتحول لقوم "لا يُمَيزون الجَمَل من الناقة"..والسلام عليكم
مطالبين بالتغيير وبإسقاط الطبقة النخبوية المثقفة، متزامنين بذلك مع هتاف "إسقاط النظام " في الشارع، متربصين بكل من صمت أو نطق، منتظرين اللحظة المناسبة ليعلنوا الحجر عليه ويرثوه حياً، متهمين إياه بالتواطؤ مع الحكومة والتنصل من واجبه التاريخي بمساندتهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد تجرأ البعض ليوصل الأمر إلى الاتهام المباشر بخيانة الإرث الثقافي خاصته، ومن أبرز من طالتهم هذه الاتهامات هو الأستاذ فراس سواح، أورده مثالاً باعتباره شخصاً متفقاً عليه على فكره وعقلانيته بما قدمه لنا من نتاج فكري ساهم بشكل كبير في تشكيل وعينا .
من مركز "الجهل الاستبدادي" يقع إنتاج الهامش والطوق، والعمل على إدماجه إن أطاع أو استئصاله إن بقي في ضلاله. وتمتدّ أسلحة الاستئصالية الجهلية إلى كل ما هو لامتماه مع منظومتها وخطّ سيرها. لا تعترف إلا بمكاييلها وموازينها فهي لا تخرج من الإسقاط إلا إلى إسقاط أفظع. بل إنّها تعتبر ألعاب الأوّلين وطواطمهم وأساطيرهم ومقدساتهم رجسا وجهلا وضلالا، وتدعو لمحو آثارها وتطهير العالم من شرورها، وبذلك تتألّق "الجاهلية الدكتاتورية" لا فقط بخروجها عن السياق التاريخاني بل ايضا بالإدبار عن كل استئناس انثروبولوجي لفهم مجتمعات الماضي المندثرة
وأمام كثرة اللاءات والمحظورات والممنوعات التي مارسها النظام العربي الرسمي ، لم يجد المواطن أمامه سوى اللجوء إلى الجوامع والكنائس والجمعيات والحركات والمدارس الدينية، ليس لأنها تؤمن له الغد الأفضل المشرق، بل لكونها فقط المجال الوحيد المتاح أمامه الذي يستطيع دخوله دون أن يعاقب أو يلاحق . فيدخل المواطن إلى تلك الجمعيات والمدارس الدينية، وهو يجهل امتلاكها لأية آفاق سياسية، أو تصورات ذات قيمة، أو أنها تتحلى بفكر حديث، ورؤى عصرية يمكن التعويل عليها في حل المشاكل التي يعانيها أو حمايته من الأخطار التي تهدده .
وفيما يتساءل سعدي يوسف عن مصداقية وجوهر المعاني التي سيقود إليها (الربيع العربي) الذي يطلقه (الفتيان) الآن، برائحته تلك التي تشبه تلك المنبعثة من ليبيا حتى هذه اللحظات، لا يخفي أيضا عدم تثبته بأنه يمكن للجائعين والمدقعين صناعة مثل هذا التغيير، على نقيض التيزيني الذي بدا مندفعاً إلى أقصى نهاياته (السياسية) سيما وهو يضع (ثورات الشباب العربي) جنباً إلى جنب مع الأحداث التاريخية الكبرى التي أحدثت انعطافات هائلة في التاريخ البشري،كتلك التي سميت بكومونة باريس أو الثورة البلشفية أو الدعوة المحمدية.
إن هناك تناقضا كامنا في قلب الطبقة العمرية المراهقة – الشيبابية يبرزه فحص مصطلح " الطبقة العمرية " نفسه الذي استعملناه عمدا. فالعمر يرد إلى الفرد الذي سيصبح راشدا و يعرف ، بصورة ما ، أنه سيصبح راشدا ، من جهة ، و لرد الطبقة ، من جهة أخرى ، إلى بنية. و نحن نعتقد أن للشباب وعيا مزدوجا من جراء هذا الالتباس نفسه و أنه حين ينتصر أحدهما ينام الآخر ، و لكن لا يفنى. و هكذا ، فإن الطلاب الذين قرروا ، في أيار 1968 ، متابعة ثورتهم مضحين بامتحاناتهم يجب أن يكونوا قد تجاوزوا ، في ذاتهم ، ما كانت تعنيه الامتحانات ، أي مسلك فردي في المجتمع ، ،