مارينا تسفيتاييفا شاعرة القدر المأساوي
اسكندر حبش
(لبنان)
قدر بعض الشعراء في حياتهم، أن يعيشوا في الهامش، أن لا تُقرأ قصائدهم وأن تبقى مجهولة، إلى أن تجيء لحظة، يُكتشفون فيها من جديد، أو بالأحرى، يولدون فيها من جديد. وتكون هذه اللحظة، لحظة اكتشاف عالمين شعري وحياتي غنيّين بالتناقضات والتفاصيل والدهشة، فهل هذا هو قدر كبار الشعراء؟
أظن بأنه حلم
فما عشته كان حلما:ً
نجوم فضيةً
بلاسم ،براعم حظ ،
حلمت بك أنت، أنت
أظن بانه الحلم
الخلاص بالنسبة لي أن أكتب.
لم أرقد بشكل جيد منذ شاهدت العم أوتو ميتا ، و هناك ساعات كنت أتساءل فيها : هل حقا بلغت حد الجنون .. أم أنني سوف أجن لاحقا. ربما لسبب ما كان من الأرحم لي لو لم أحمل إلى غرفة مكتبي ذلك الشيء بالذات ، كنت أنظر إليه ، أو أحمله بيدي ، و أتحسسه كلما رغبت بذلك. لم أكن أحب هذا. كم أكره لمس هذا الشيء . و لكن أحيانا أفعل.
لو أنني لم أحمله عندما هربت من بيته الذي يتألف من حجرة واحدة ، ربما كان بوسعي أن أقتنع أن ما جرى عبارة عن هلوسة .. تداعيات عقل مجهد مضغوط عليه. و لكن ها هو . له كتلة ، و يمكن حمله باليد.
قمـر
قد يكون خرائب وأطلال
إلا أنه بالنسبة لي:
أن أفصم قطعة منه
نتقاسم بها
تأخذ قليل منها
كان الحصان الرمادي هيكلاً معطوباً، حشداً من الغرائز المختنقة. أما عينه فهي خلطة من الضياء العكر، مرآة كمداء للكائنات والأشياء. لكأنما يتشبث بأهداب الحياة بجهد جهيد! الدماغ متهاو منحول الشعر. قفار الظهر غائرة والجنبان ينحتان أضلاعه نحتاً. الردف الساقط المنتهي بذيله متيبس يتحرك في بطء بطيء. بندول لا جدوى منه لجسم مدحور. وبر الفسيفساء مزهر بالجراح. أنجم متقيحة. القدم الأمامية متورمة القبضة تخفق إذ يمشي وكأنها عصا طائشة لضرير في الليل يسعى. أما الذبابات الزرقاء فتتلاصق متصلبة في الجراحات الحمراء ولكنه بالكاد يشعر بها. بلا مبالاة يحركذنبه وبلا عزيمة. وبرعدة تموجية خفيفة من عضلاته يحاول أن يطردها، لكن ما الفائدة؟! لقد صارت جزءاً لا يتجزأ من كيانه، من مشيه المتكاسل على الدروب. إنها على الأقل تعطيه الإحساس بأنه ما زال حياً! (لماذا
في تلك الأيام التي احتفلوا بيوم ميلادي
تمتعت ببصمة غريبة لشخص لا يدرك شيئاً
لايدرك أن أحدا من طرف العائلة كان حكيماً
ومن أنه لم تكن لدي تفاؤلات نماها الآخرون عندي
بعد ذلك عندما نظرت إلى الحياة ضاع مني مذاقها.
أجل ! مما كنت كخيال ذاتي
في قصائد الشاعر أديب كمال الدين نسائم روضة شعرية فوّاحة طافحة بالإيحاءات الدلالية والرمز، والتاريخ، والأسطورة، روضة شذاها خلجات قلب شاعر تتواشج مع بوح الصدور وشدو النفوس، وأحاسيس مثقلة بهموم غربة فيها الدولار يُعبد ويركض الناس وراءه في كل زاوية وشارع. إنها غربة الروح والجسد والهجر وفقدان الوطن الحبيب وفيها تُستلب القيم والمبادئ. فالشاعر يعاني الاغتراب بالجسد والروح معاً بعدما أبى العيش تحت حكم الطغاة والمتجبّرين في الأرض. إنه شاعر إنسان بكلّ معنى الكلمة ولنسمعه في قصيدته: (جاء نوح ومضى) يقول:
ستموت الآن.
ريوكان: من أكثر الشعراء محبة عند الشعب الياباني. في كل عام, جماهير غفيرة تصعد إلى ضريحه , حيث يقبع كوخ إنعزاله ومتحف شيد لذكراه . العديد من قصائده مغناة من قبل الشعب. أمثلة يابانية عديدة ترتكز على محبته للأطفال و للزهور . و قد ولد عام ١۷٥٨ في قرية نائية " إيزوموكي " عند الساحل الغربي لليابان . فحينما كان طفلاً كان اسمه " آيزو ". فكان طفلاً مرحاً في تلك المرحلة و تكهنوا له وراثة منصب والده " رئيس القرية " . ولما بلغ الثامنة عشرة أصيب بمحنة روحية و نفسية , قرر اثرها تغيير اسمه وأن يصبح ناسكاً بوذياً . و إحتجاجاً على استبداد الطغمة العسكرية لزمرة " الباكوفو ", و تعبيراً لتأييده للإمبراطور في عام ١۷٩٥ عاد لقريته . فعلى بعد
ما زلتُ جثّةً
هامدةً تماماً .
وحشيةً كانت العاصفةُ
أشدَّ وحشيّةً ممّا تصوّرتُ
آنذاك
آنَ كان عملي هو الكلّ
لعل ما يميّز /أديب كمال الدين/ في منجزه الشعري الرصين/ تلك اللغة العقلية ذات السمت المبطّن بالأبعاد اللغزية للوجود، إذ يتمركز البعد الوعيوي ليبثّ مجموعةً من الأسئلة التي تشيع وجوداً إرادياً يتحقق في مجموعة من المسموعات اللغوية المتشكلة على هيأة خطوط سوريالية محكمة الدقة تستوجب تفكيكاً دقيقاً لها عبر رؤية متفحصة وفاحصة لنقاطها الدالة على طول التعامدات القائمة على عدم كشف المستور من تلك الدوال من أجل تذكية جمرة النص المتوزّع بين مهيمن لغوي محسوس يمسّ مفتريات الروح من دون أن يعطيها المقود، وبين تجريد يخلق مستوى عال من الأنساق التعبيرية ذات السمة الرؤيوية الشفيفة المساعدة على تنشيط فاعلية البؤر الدلالية المتوالدة عن بؤرة مركزية ذات ملمح لغوي يطوي بين دفتيه الاختلاجات النفسية حيال الوجود وأسئلته الصعبة.