أيلول ما عاد شاحباً وهو يتمرّغ كل صباح بالكلام عنك.. ويمنّي النفس كل مساء لأعود وأحدثه عنك.. أيلول يا عزيزتي ليس ككل الشهور.. وأيلول ليس شهراً في الأصل.. ولكن شاءت الآلهة في إحدى اجتماعاتها الكونية أن تجعل منه كذلك.
إليك القصة:
كان أيلول فتىً يافعاً، وسيماً، بهي الطلعة، بالإضافة إلى أنه يتميز بذكاء خارق قل نظيره عند الفتيان الذين هم في سنه، فتتسابق جميع فتيات الحي والأحياء المجاورة للفوز بنظرة منه أو الكلام معه، ما عدا فتاة واحدة كانت لا تأبه به، ولا يهمها سيرته أو ذكر اسمه .كان اسمها (ميراميس).
المصائب التي تقع كضربات المطرقة على رؤوس الشعوب-بمختلف اهتماماتها وانتماءاتها- ليست مصائب حقاً، والسبب: أنها موجعة. عندما يتلقى الإنسان ضربة على الرأس سيختل توازنه، لكن هذه الضربة: فشل الخطة الخمسية الخمسين لمشروع تنمية الاقتصاد السوري، أطفال سوريون نائمون على أرصفة دمشق مقابل القلعة، ابنة البرادعي وفضيحة المايوه-لمن يهمه الأمر-، ظاهرة حجاب الممثلات في القنوات العربية- لمن يهمه أو لا يهمه
الوردُ الجوري هو الوردُ المفضلُ لديَّ . زرعتُهُ في حديقةِ منزلي - عندما كانَ لي حديقةٌ - . كنتُ دائماً أجددُ زرعَه . أكثرُ الألوانِ التي أحببتُها الأبيضَ . لما لهُ من رائحةٍ عطرةٍ . حديثي عن الوردِ قد يكونُ لهُ علاقةٌ بصبيةٍ أراها في كلِّ يومٍ ، وفي يدِها ثلاثُ ورداتٍ . منذُ أكثر من شهرٍ، ومعَ ازديادِ موجةِ الحرِّ أصلُ إلى مكتبي في الشارقة- أعني مكتبَ المحاماةِ الذي أعملُ بهِ - أسارعُ في الدخولِ إليهِ كي لا أتعرقَ كثيراً ، علماً بأنّهُ يقعُ على شارعِ كورنيشِ بحيرةِ خالد . أمامهُ حديقةُ النخيلِ، وكلّما وصلتُ إلى هذا المكانِ بالضبطِ رأيتُ صبيةً هنديةً تبتسمُ وفي يدِها الورداتُ الثلاثُ. في البدءِ اعتقدتُ أنّها تبتسمُ لي، لكنّني عندما تريثتُ قليلاً . رأيتُ شاباً خلفي يأتي في نفسِ الموعدِ . يبدو أنه غربيٌّ . قررتُ أن أعرفَ السرَّ .
أنا لا أعرفُ أبي.!. ولا أريدُ الآنَ أنْ أَتعرَّفَ إليهِ أكثرَ مِنْ ذِي قَبْلُ.!. كلُّ ما أُريدُهُ، أنْ يتخلَّى عنِّي، يترُكَنِي وَشَأنِي؛ كما كانَ يفعلُ دائماً في حياته. مجنونٌ " هَمْلِتْ " ، هذا ما قاله الشاعرُ اليونانيُّ "كافافي". صَدِّقْنِي يا" شِكِسْبِير".!؛ لو لمْ يكُنْ أبُو هَمْلِتَ مَلِكاً، لَما كانَ "هَمْلِتُ" فَعَلَ ما فَعَلَ؛ ولَمَا ظهرَ لهُ شَبَحُ أبيهِ، وَلَغَفَرَ لأمِّهِ زواجَها مِنْ عَمِّهِ، أَخِي أبيهِ .!؟. صَدِّقْنِي، ما أَحَبَّتْهُ " أوفيلْيا لو لمْ يكُنْ وَلْيَّ عَهْدِ "الدانِمارْك".!
واحدةٌ من قصائد الفترة الجزائرية الطويلة النبيلة ، حملتْ عنوان " مزرعة الزاهي محمد " . الحقُّ أن المزرعة كانت فعليّةً . الزاهي محمد شخصٌ حقيقيٌّ وإن حملَ اسماً ليس فيه من مبالغةِ الزهوِ شــيء.قد كنتُ أسلفتُ القولَ إني أقمتُ في " سيدي بلعباس "، أدرِّسُ اللغة العربيةَ في " ثانوية الجلاء " هناك. إلاّ أنني صرتُ أدرِّسُ في " ثانوية الحوّاس " الجديدة ، بعد عامٍ أو نحوِه.
ي بعضِ الأحيانِ عندما تكون أمي لوحدها تجلسُ في إحدى زوايا البيتِ تضعُ منديلها على خدها و وتبدأ في البكاء....بكاؤها يجعلني حزينا جداً....لا أعرف لماذا تبكي... لماذا هي حزينةٌ....تقربت منها مسحتُ بيديّ الصغيرتين دموعها التي تنهمرُ من عينيها الحزينتين ... حضنتني بدفئها ... كنتُ أحسّ دقاتِ قلبها و أتلمس حبها من خلالِ يديها الناعمتين على وجهي..
ومن فرط حساسيّتها تجاه ما يدور حولها وما يعتلجها، تذكّرت قصة (الرجل المُعَلّب)، كانت قد قرأتها منذ فترة، هي المغرمة بكتابات "أنطون تشيخوف"، وفي لحظة، وجدَت نفسها مرتدية ذلك المعطف الذي كان يرتديه مدرّس اللّغة اليونانيّة القديمة ( بطل القصة) إذ كان حتى في الجوّ الحار لا يخرج إلا بعد أن يُعَلّبَ نفسه بمعطف ثقيل ببطانة من القطن وكانت شمسيّته في كيس، وساعته في كيس، حتى المبراة حينما كان يستخرجها ليبري قلماً كان يستخرجها من كيس، ووجهه بدا وكأنه أيضاً في كيس، فقد كان يخفيه دائماً خلف الياقة المرفوعة، وكان يضع نظّارة سوداء، ويسدّ أذنيه بالقطن، كان لديه ميل جارف إلى وضع نفسه فيما يشبه العُلبة، وظلّ على هذا الوضع إلى أن فارق الحياة.
كل ما قيل لك فترة انبت الموز من جلده، كل ما اعتنقت من فوات الأمر كي يحسن ما أنت من فتى لولبي قديم، كل ما قالت الطفلة لأمها قبل الموت الثاني و بعد النبرة الحالمة، كل ما فاض من الموج على صدرك المشقوق نصفا لها و نصفا لشوك الدرب قبيل الرحيل، كل ذلك الذي ينخر مسام الذاكرة االبكر، ما يحتد الآن في جلدك المهزوم عند الغروب، ذاك انسلالها الغابر بين تقاسيم جسمك الملون بمائها، فانتبه.المدينة المهجورة التي تنساق عفوا ضمن خرافات الجدة و سعالها الدامي، الأصوات المتعالية من نافذة الجارة المرهقة مما فعل معدل السكر المنخفض في دمها
إنَّ أكثرَ ما يُقلق أمّي بالنسبةِ لمستقبلي هو لامبالاتي بالأشياءِ الماديةِ من حولي، أو بأثاثِ المنزلِ بشكلٍ خاص. فهي لحدِّ الآن تقصُ على جاراتِها وبانزعاجٍ شديدٍ : "تخيلوا لم يرفع عينه عن الكتابِ عندما كَسَرَ أحدُ الصّبيةِ زجاجَ الشباكِ ! حتى أنَّ الحجرَ هبطَ بين قدميهِ بعد أن اخترقَ الزجاجَ ولم يكترث". وتذكرني دائماً كيف أكملتُ حديثي ذات يومٍ عن الحياةِ والموتِ، بينما يحاولُ أخي إطفاءَ حريقٍ شبَّ بآلةِ التحميصِ. إنَّ أكثرَ ما يقلقني بالنسبةِ لمستقبلي هو موتي في يومٍ ما. أعلم جيداً أنَّ الكثيرَ سيبكونني، وأنَّ أمي ذاتها ستكسّر جميعَ أثاثِ المنزلِ، وقد تصلُ بالتكسيرِ إلى نفسِها. سيقام مأتم كبير على شرفي أنا الميتُ ويأتي الأصدقاءُ ليقوموا بواجبي حتى وأنا ميتٌ، كما أعلم أن حياةَ أفرادِ
كان نهارًا مشحونًا بالمشاغل والعمليات والأدوية والمرضى والتجوال بين العيادات والعنابر. والساعة تقتربُ حثيثًا من الثامنة والنصف صباحًا، حينما اندفع بسرعة من باب المستشفى رجلٌ عجوز في الثمانينات من عمره، يلوّح بيده التي بها ضمادة حول إصبع إبهامه، جاء ليفكّ الغُرَزَ عن الجرح، بعدما كاد يبرأ. كان يدور يمينًا ويسارًا، يهرول هنا وهناك متكئًا على عصاه، بقدر ما تسمح له الشيخوخة أن يفعل، وهو يبحث عمن يساعده لكي يمضي فورًا وهو يقول للممرضين والأطباء إنه في عجلة من أمره، لأن لديه موعدًا مهمًّا للغاية في التاسعة.أعجبتني حيويته واندفاعه للحياة رغم الشيخوخة والوهن والعَجَز. ثم سألته أن يهدأ ويجلس، وأنا أعلم أن الأمر قد يستغرق أكثر من ساعة قبل أن يتمكن أحد الأطباء من رؤيته. رحتُ أرقبه وهو ينظر في ساعته كل دقيقة بقلق بالغ،