في أيام الصبا كان من حولنا أشخاص لهم قدرة عجيبة على حلّ الخلافات التي تحدث بين الناس. وكان لحضورهم لمسة سحرية تذيب البغضاء وتنشر التسامح والضحكة الصادرة من القلب. كان الناس يطلقون عليهم ألقاباً تشير إلى الخير والصلاح والبركة. كل ذلك تشعر به ما أن يضمك وإياهم مجلس أو أن تلتقيهم في الدروب عن طريق الصدفة, فتستبشر بلقاءهم خيراً وكأنك ترى في وجوههم ومن حولهم هالة نورانية لاتدري ما مصدرها. ومع تقلب الأيام الذي جرى بوتيرة جعلت الحليم فيها حيران, غابت تلك الشخصيات أو ندر وجودها. وبقي السؤال معلقاً, لماذا وأين اختفت تلك الشخصيات وأين حلّت تلك الأنوار؟
هذهِ الضَّحايا مِنَ السَّجائرِ المُكَوَّمَةِ في مِنْفَضَتِي شاهدٌ آَخَرُ أكيدٌ على أَنِّي أنتحِرُ.!.ولِمَ لا.؟. لَمَ لا أنتحِرُ.؟. أنتَ وأنَا، ننتحِرُ مِنَ الَّلحظةِ الأُولَى الَّتي نأتي فيها إِلى هذا العالمِ؛ مُنْذُ تَشَكُّلِكَ مُضْغَةً في رَحِمِ أُمِّكَ، يبدأُ العَدُّ التَّنازُلِيُّ.!.
خالف أبو طشت رغبة والده في الانتماء إلى الطب البيطري، وعلى الرغم من امتلاك أبيه الكثير من الأبقار التي تحتاج رعايةً و تطبيباً؛ فقد قرر الانتساب إلى الطب البشري، إيماناً منه بأن البشر أهم من البقر. هكذا، بدأت رحلة أبي طشتٍ مع الدراسة، وسط حنق والده و عدم رضاه على ابنه الذي لم يراع رغبته في الاستغناء عن الطبيب المعتمد لرعاية أبقاره، والتخلص من غبائه و جفاصته و نفسيته الحامضة التي إن وصفتها لأصابت الحساسية النفساوية الكثير من الأطباء البيطريين... وغير البيطريين.
- ’يا قداستك، أيُّ العقائد الأفضلُ؟‘
وظننتُ أنه سيقول: ’بوذية التِّبت‘، أو ’الديانات الشرقية التي هي أقدم كثيرًا من المسيحية‘. على إن الدلاي لاما صمتَ قليلا، ثم ابتسم، ونظر إليّ في عيني مباشرة، وهو ما أدهشني لأنني كنت أعلم أن المكر مخبأ في سؤالي. ثم قال:
- ’العقيدةُ الأفضلُ هي تلك التي تجعلك أقربَ إلى الله. هي تلك التي تجعلك شخصًا أفضلَ.‘
ولكي أخرج من حرجي، الذي سببته تلك الإجابةُ الحكيمة، سألته:
- ’وما هي تلك العقيدة التي تجعلك أفضل؟‘ فأجاب:
- ’تلك التي تجعلك: أكثرَ رحمةً، أكثرَ حساسيةً، أكثرَ محبةً، أكثر إنسانيةً، أكثر
شكسبير ..أين أنت لتكتب تراجيديتنا ؟ أين أنت لتكتب ملايين الروايات من عطيل.. عد إلينا ..ستكون أول كاتب يتخطى عتبة غينس في جمع الثروة من الأدب والرواية ..أدب ماتت أسماء كاتبيه وهي تحلم برغيف الخبز ... كتاب تركوا لزوجاتهم راتبا تقاعديا دفعهن إلى طلب دفنهن أحياء قبل أن يطاردهن حلم خبز الشعير ..
و أخيراً انتهى كأس العالم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس. و الذي كنت أنا فيه خارج نطاق التغطية الكروية لاعبة دور المتفرج على تحليلات و نقاشات من العيار الثقيل مستغلة الحدث لانتقم من مقالب أصدقائي بالضحك على دموعهم عندما يخسر فريقهم المفضل و ممارسة فعل ( الشماتة) بكل ما استطعت من قوة و للحقيقة لم يسلم مني أحد فأغلب الفرق الكبرى التي كان يشجعها الجميع خرجت خالية الوفاض لينتهي المونديال بشرب إسبانيا نخب الانتصار و رفعنا نحن أعلام منتخبنا الإسباني في العلا لي! و رسمنا ألوانه على وجوهنا و رقصنا الفلامنغو الإسبانية على أنغام علي الديك ! وعاد من كان برازيلياً أو أرجنتينياً أو ألمانياً (للعظم) أيام المونديال عربياً سورياً كما كان وعدنا لتمضية الوقت بالحديث عن بعضنا وتعداد
القراءة ليست أن تضع كتاباً أمامك، بل ان تضع نفسك أمام الكتاب..هي عبادة فكرية دقيقة، صلاةٌ تستدعي الوضوء قبل البدء، وضوء الحواس، الأدوات، هل تثقون بالحواس؟..أنا لم أكن متوضئاً الشهر الماضي، لذا لم ارتكب خطأ القراءة، بل لم أكفر بحقها..كنتُ مصاباً بالزكام، وفتحتا الأنف كانتا مسدودتين، لهذا، لم أتمكن من القراءة بأنفي أيضاً، أي بحق!..
الضجرُ والمللُ هما سيدا العصرِ ،ولا بدَّ من حلٍ لهذهِ المشكلةِ . دائماً هناكَ حلولٌ للمشاكل . يوجد نوعان منها . الحلُ الأولُ يحتاجُ لعزيمةٍ وتشجيعٍ للنفسِ يوميٍّ والثاني تمَّ اختراعُهُ للتعويضِ عن الفراغِ ببضاعةٍ تشبهُهُ . بضاعةٌ ترفيهيةٌ هدفُها قتلُ الوقتِ وملءُ الفراغِ بالمتعِ . هذا ما زادَ الطينَ بلاً فقد أصبحَ للضجرِ و المللِ ضحاياهُِ الذين يفقدون به قسماً من داخلهم فيبدو كنوعٍ من أنواعِ الموتِ ، وضحايا ملءُ الفراغِ بقتلِ الوقتِ بأشياءَ قد تدمرُ الإنسانَ ويكونُ القتيلُ في هذهِ الحالةِ هو الإنسانُ وليس الوقتُ . الفضائياتُ هي جزءٌ من هذهِ البضاعةِ الترفيهيةِ التي نظنُّ أنها نتسلى بها ونقطِّعُ الوقتَ ، فإذ بها تقتلُنا بدلاً من أن تقتلَ الوقتَ . ،
وجدت من الضروري تفسير إدمان أبي طشتٍ على شرب الخمر، و توضيح بعض جوانب شخصيته التي استطاعت الدمج بين طريقين لمغادرة العقل؛ الجنون و الثمل. أبو طشتٍ مبدئيٌّ، ولعل ذلك ما جعله مدمناً على شرب العرق، و عناده في التشبث بمبادئه هو الخصلة الوحيدة التي حملها معه من دنيا العاقلين، و يحكى؛ أن قناعاته هي سبب هروبه من العالم العاقل واللجوء إلى عالمنا، فقد تراكمت الضغوط على عقله حتى (كربج) و (عصلج) و توقف عن التعامل العقلاني مع الحياة و تعقيداتها، فقرر التعامل الجنوني معها، عله يجد ضالته و يعثر على ما يزيل (الكربجة و العصلجة) التي تمنعه من استيعاب متغيرات الواقع المتلاحقة ...و الجنونية.ولت إلى غير رجعةٍ حالة الاستعصاء المتحكمة بعقل أبي طشت بمجرد دخوله عالمنا، لذلك لم يكن بحاجةٍ في بداية جنونه إلى شرب العرق، وعارض بقوةٍ وثباتٍ
على الكورنيش الجنوبي كان ثمة صخرة جلست عليها ذات ليلة مع شاعر من أبناء مدينة سلوقس نيكاتور (اللاذقية) بعد عشائنا في مطعم صغير لا أتذكر اسمه، بشارع (الأمريكان).. قمنا بكسر ما تبقّى من ليتر العرق بالماء ولففناه بكيس ثم توجهنا إلى الصخرة المذكورة.. صوت تلاطم الأمواج على الصخور ما يزال يعج بذاكرتي، وهناك اجترحت أول قصيدة لي!! كان ذلك منذ عشر سنوات.. .