هلاأقمت لليال طوال هنا أهل المدينة حضروا أنفسهم للاحتفال بقدومك, وكؤوس الويسكي ممتلئة احتفالاً وفرحاً بطلتك, موائد فخمة وكاميرات للتصوير كم تبهجنا ياثلج, يراقب كوخ العجوزة المريضة حوار القصر والثلج, فتنهال بدعواتها متضرعة للرب أن يسرع برحيل الضيف الأبيض الثقيل, فعظامها لم تعد تحتمل. مابين تضرعات العجوز والمنزل المنكمش على ذاته, وترحيب القصر بالضيف المفرط البياض, كنت أراقب الجبل البعيد, وأذكر أطفالاً محاصرين لادفء لديهم ولامال ولاطعام,
آآه يا محمود. أضع الشال الأسود على كفيّ وبرأسٍ مطأطئ أمضي في هذا الشارع أكتب شفهيا لك. حبلٌ من الأحلام ألتقطه بصعوبة, ويظل يجرجرني إلى هذا الحزن والأسف.
الشارع مليء بالتجاعيد التي تُظهره في قصص التاريخ شخصًا منهزما لم تباركه معركة. تجاعيد من الإسفلت, والطين الذي يلحق بالمطر, وأطفال من الحصى الذين يصيبونني.. أفكرُ في عددهم اللا متناهي ورحلة مجيئهم إلى هنا لا في ألمهم المسببوه لي.
تقبّله ويحصرها،
يغذيها بالحجارة وتغذيه بالرمل...
تنجذب إليه ويبتعد عنها
ينجذب إليها فتهتاج...
تجلب له أعماقها، ويهبها سطحه...
يزينها بجسده وتزينه بألوانها،
تقتله بجسدها ويقتلها بحكمته...
هو ثائرٌ وهي انفلات !!
هو كنزٌ واضحٌ وهي كنزٌ دفين،
باسم قانونٍ جائر، اعتبروك مجرمًا وسيّجوا من حولك السياجَ الغلاظ. وحين اكتشفوا هولَ قوتك، وثِقَل الشُّعلة فى قبضتك، وهدرَ الجماهير التى ترمقك بعين الأمل، خافوكَ، ثم ساوموك. حريتُك مقابلَ القضية التى نذرتَ لها العمر والدم. لكنك لم تقبل المقايضة. رفضتَ الحريةَ المقرونة بالخيانة، ورحبتَ بالسجن الذى يصنع الحرية النبيلة. حرم نفسَه كـرجل من بهجة مرافقة الزوجة، وكـأبٍّ من متعة متابعة أطفاله يكبرون، فلم يرهم إلا بعين الخيال من وراء قضبان زنزانة ظالمة، مُفضّلا أن يكون زوجًا لرسالة، . وأبًا لشعب كامل، تسقيه حكومتُه البيضاءُ الويلَ لأنه خُلق أسمرَ البشرة؛ فنزعت عنه خيراتِ بلاده وحريتَه وحقَّه فى تقرير مصير وطنه.
أحمل على ظهري رمالي وأرحـّل قلبي في الهجير
أجلس مع أشجار الصبارِ فتدمعُ معي ولا تمنحني سوى الصمت
أشربُ ماءً ملوّثاً بالكيمياء وصراخ الحنين
أصلّي للبحرِ صلاة الحاضرِ، يقذفني بأسماكٍ حمراء تنفث من غلاصمها دم الصيادين
عطشان يا صبايا
والسبيلُ دليلٌ إلى المهاوي
لا جبريل يضرب بجناحه أرضاً، ولا إسماعيلُ يرتوي
أخبرني ...
أخبرني بحق غابات صدرك الصنوبرية ...
بحق صباحك الجلنار وفراشاتك الوردية...
كيف أرش الماء على جسدك دون أن أترك بقعة باردة؟
كيف أغسل هذه اللحظة المرتجفة ؟
دون أن تدمع عيناك برغوتي الخضراء؟
كيف أكون غيمتك الصغيرة ؟
يارجل تيبس على برد النوافذ وتركه الثلج أبيضاً هناك ..
أي ذاكرة يحملها هذا المفرق, عن كل قصص العاشقين, يوم التقوا ويوم تفرقوا, يوم كتبوا على جذع هذه الشجرة حروف أسمائهم, أملاً بقدر جميل يختتم حكاياتهم, لربما يذكر هذا المفرق قصة عاشقة التقت مرات ومرات مع حبيبها هنا, وخططوا للآتي, للبيت والأولاد والمستقبل, وربما يبكي لو فكرت هذه الصبية بزيارة هذا المفرق لتخبره أن حبيبها مات في الحرب, أو أنه غدا عاجزا"بفعل تفجير أو شظايا, وقد يبكي لومر طفل صغير يقص عليه قصة والديه الشهيدين بفعل عبوة ناسفة أو سقوط قذيفة طائشة.
ــ رصاصةٌ في عنقكَ وأنتَ تضحكَ في شارعٍ عام مع بعض الأصدقاء الموسميين !
ــ عشقٌ يتربصكَ بعيونٍ جاحظة، منذ شهور، وأنتَ لا تعيره التفاتة !
ــ شاهدةُ قبرٍ باسقة، لم يُـكتب عليها اسم الميت، عمره، وتاريخ غيابهِ !
ــ مفاتيحٌ كثيرة تتأرجحُ على خصركَ وأنتَ لا تمتلكُ سقفاً حتى ؟!
وهذا شرطُ المشهد أحياناً " من يملك مفتاحاً .. ليس بالضرورة أن يكون لديهِ منزل " !
ــ وسادةٌ محشوة بالأحلام .. خفيفة .. خفيفة، ولا تصلح للنوم ِ أو الصحو أيضاً !
ــ حذاء أنيق، سريع، يلتهم الطرقات دون صوت... ولا طرقات له !
ــ ساعةُ جدار تشيرُ إلى البارحة ...!
ــ ساعةُ يدٍ بلا معصم !.. وفي الطرف الآخر من الوطن، معصمٌ ينتظرُ ذات الساعة كي يقرأ وقتَ عودتهِ إلى الحياة!
هز رأسه بتثاقل كبير، ولم يجب ثم خاصمته وطردته خارج المنزل، بعد أن شلعت أذنيه وطلبت منه ألا يعود مرة اخرى، ونعته بالقبيح أبن الدخان والغبار، انكسر وجهه وساحت ملامحه على الجدار وغادر مكسوراً ذليلاً الى مكان ما. فليتلبس شخصاً يشتاق الى ظله، هذا لا يزعجني اطلاقاً، أنا سعيد بلا ظل يرافق مشيتي تحت الشمس.
مساء الامس حاولت ظلال كثيرة ان تنبت كشجيرة الى جانبي، كان هو واحد منها، متاكد من ذلك، فما كان مني الا ان امسكت بمنجلي وجززت رؤسها كلها، حتى سالت دماؤها على الأرض. دماء الظلال بيضاء لزجة، وذات رائحة قبيحة تشبه رائحة زهور معلقة على شجرة لا أعرف أسمها.
أمور كثيرة تتراكم كالمزبلة في هذا العام "صفر". كل حكاياتِ العرب، وتقدّم الغرب.كلّ قصائد الشّعراء، ورواد الفضائيات. المسوقون، المنتجون.
أفكّر لو أنّنا تمكّنا من الوصول إلى العام" واحد" ولو من ممرّ ضيّق قرب الزّمن
نتقابل وجهاً لوجه مع الرّب،يحملنا معه على أكفّ الحقيقة، ونبدأ في تسطير أوّل سطر يحمل في طيّاته مغزى.
أحلم بعام جديد يتجاوز أعوامنا التي مرت من قبل.
عام أكون به أنا نفسي التي أخفيتها عنكم ، وليس وفق ما قلته لأرضائكم.
كم تصعب علي نفسي!