في البيت، خرجَ حافظ الأسد من حقيبتي المدرسية، حافظ الأسد المقترن بدفاترنا وكتبنا إثر صورة شخصية له مرتدياً طقماً رسميّاً ضيّقاً وربطة عنق سوداء. كان شريكنا في بيوتنا، كنت أحياناً أقلّب الدفتر على ظهره هرباً من رقابته الصارمة لنا. في البيت، انتشر حافظ الأسد عبر صوره على أغلفة دفاتر وكتب إخوتي، انتشر في الحي والمدينة والبلد، بل إنني شاهدته مرّة عبر شاشة التلفزيون إلى جانب أحد الرؤساء خارج سوريا،
قد لا يستسيغ أحدٌ في الحياة الحديثة الراهنة، وقوف عاشقٍ، أو شاعرٍ، في شبّاك امرأةٍ ما، ساهراً الليل بطوله، أو بعضه، لاعتقاده أن محبوبته الممتنعة عليه، لا بدّ أن يوقظها قلبها في لحظة حاسمة، فتلاقيه على غير وعدٍ وموعد، ليتبادلا جمر الوله، ويتخاطبا بعطور الجسد، وبسوى الجسد من تأوّه النظر والشفاه والكلام، وهو بعض ما يتيسر من سبل الفيض الغرامي.
ودّ أن نعلمكم أّنّنا في سوريّا وكمواطنين سوريّين لم تعد هذه المشاهد تذرف الدّموع من عينينا لأنّ مجرى الدّمع عندنا قد جفّ ونشف منذ العام الأوّل من الكوارث والمآسي التيّ حلّت بنا. نريد أن نعلمكم أنّ مشاعرنا لم تعد تُدَغدَغ وتتأثّر بمثل هذه المشاهد وغيرها لأنّ هذه المشاعر بل وعواطفنا قد دخلت عهد الجمود والتّحنيط منذ مرور العام الأوّل على مصائبنا, ولم تعد دموعكم تفيدنا في شيء,
لابد من التنبيه ، أولاً ، إلى أن قراءتي التي أكتبها هنا عن الشاعر جيتون كلمندي تعتمد على هذه الترجمة العربية وليس على النص الأصلي باللغة الألبانية التي لاأجيدها ، ولذلك يمكن أن نتواصل أنا والقارئ العربي بسهولة لأننا نقرأ النص ذاته .. وهذه غاية مشتركة بيننا .
بالمقدار ذاته، لا يجوز تجاهل أن المشهد السوري بدأ يتبدل عملياً وبسرعة على الأرض، من سقوط بصرى الشام في الجنوب بأيدي المعارضة إلى سقوط إدلب وجسر الشغور وسهل الغاب في الوسط والشمال، خلال فترة زمنية واحدة هي الشهور الثلاثة الأولى من عام 2015، وأن هذه الفترة حملت رموزاً وتطورات وأحداثاً لا يمكن فصلها عن المشهد الداخلي السوري هذا أو عن التأثير المباشر فيه، كما يأتي:
إن النظام السوري كان على وشك الانهيار بسبب الوضع الاقتصادي المزري الذي حلّ به لولا تدخّل إيران وروسيا اللتان كانتا تضخان ملايين الدولارات شهرياً إمّا على شكل مساعدات نقدية تُدوّن كقروض،
الحرب على الإرهاب من خلال مواجهة”داعش“ومرادفات”التدعيش“، حربٌ ضروريّة شأنها في ذلك شأن كلّ حربٍ على أعراض مرضٍ من الأمراض. لكنّ مواجهة المرض الحقيقيّة تتمّ على صعيد أسبابه ولا تكتفي بالأعراض. ولن تصبح الحرب على الإرهاب حربًا رابحة ما لم يتمّ العمل بالتوازي على مواجهة الدواعش والقاعديّين والبوكو حراميّين المزروعين داخلنا، في ذهنيّتنا، في لغتنا، في خطابنا السياسيّ، في عدد كبير من أحزابنا وجمعيّاتنا،
ولعل المفارقة العبثية والحقيقة المرّة التي يعيشها السوريون، هي أن القوى الفاعلة داخل المشهد السوري وخارجه والمحيطين به، ينوحون ويصلون على «الكتلة الصامتة» ويتنافسون على النطق باسمها، وبها يدلّلون على مدى الحس الانساني عندهم، وعلى المكانة الحضارية التي وصلوا اليها في رؤيتهم لمعاناة الآخرين، ومراتب الحكمة ونزاهتها التي يتمتّعون بها في رؤاهم ورؤيتهم للمشكلات والتحديات التي تواجه الانسان عامة والسوري بخاصة،
ولو كان نبي الإسلام محمد قد دعا لتحريم الصورة كصورة مجردة لما امتنع عن إزاحة صورة السيد المسيح وأمه مريم العذراء التي كانت معلقة في الكعبة حين دخلها محررا عندما أمر بتحطيم 360 ثلاثة مائة وستين صنما أثناء الفتح المبين.كما جاء في كتاب فتوح مكة لـ (الأزرقي). أما فيما يخص الأحاديث فقد جاءت مليئة بالتهديد والوعيد, يقول رواتها إنها جاءت على لسان النبي محمد ولم يذكر أسماء رواتها.
ولدت أمي في دمشق، من أم أرمنية وأب مسيحي لبناني، وترعرعت في حي الأشرفية ببيروت وسط عائلة أمها. فلم تتعلم العربية إلا بالمقدار الذي اتقنه معظم الأرمن من كلمات يومية، ركيكة على الأغلب. وكان قدرها، في سن مراهقتها، أن أحبت شاباً مسلماً شيعياً، كان هو بدوره من الجيل الذي اضطر في مطلع الخمسينات إلى هجران الجنوب اللبناني نحو العاصمة، بعد أن نزلت «نكبة» فلسطين ككارثة