والنخبة الثقافية التي كانت الأحزاب قد استتبعتها، انطوى أفولُ تلك الأحزاب على جزءٍ من أفولها، بينما وجد المستقلُّون من المثقَّفين أنفسهم أمام بابَيْن: باب السجن أو باب الوظيفة الحكومية في مؤسَّسات رثَّة على شاكلة مؤسَّسة "اتحاد الكتَّاب العرب" وما شابهها من مؤسَّسات تدجين للمثقَّفين. أمَّا "الناجون" من هذا المصير فهم الذين استطاعوا فتح بابٍ ثالثٍ للهجرة.
ومع كل ما يمكن الاستقواء به أميركياً فإن التعويل على موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب وتصلبه بما يتعلق بأستنة اللجنة الدستورية، وحرف ولايتها من الشأن الدستوري إلى الشأن السياسي برمته، وإطلاق عملية إعادة الاعمار،
لجواب على ما نحسب، لأنه مرتبط بمعيشة السوريين، ومؤشر على مزيد من الفقر "نسبة الفقر 85%" وربما مزيد من الفساد وحتى الجريمة، فالجائع قد يرتكب أي جريمة ليلبي مطالب أولاده أو إسكات عصافير بطنه، فضلاً عن الجانب الإنساني، خاصة من سوريي الخارج الذين يتألمون لإفقار أهلهم بالداخل ومحاولة إذلالهم من لقمة عيشهم.
لكل هذه الأسباب، لم تحظ ثورات الربيع العربي، كما بينت السنوات الدامية لهذا العقد، ولا تطلعاتها الديمقراطية بأي اهتمام أو دعم يذكر من القوى الديمقراطية الدولية، ومن باب أولى من الصين وروسيا التي اختارت إحباطها، فلا تستقيم الديمقراطية من دون التسليم بسيادة الشعوب، أو على الأقل الاعتراف لها بنصيبٍ من الإشراف على القرار العام الذي احتكرته للعقود الماضية نخبٌ محليةٌ،
أرادت إيران أن تروج حول الحراكين العراقي واللبناني، وقد أدركت أنها المستهدفة، بأنهما صناعة أميركية/ إسرائيلية محضة. وجاءت أحاديث وكلائها في لبنان، خصوصًا عن السفارات والتمويل الخارجي للحراك استغباء لكل من خرجوا بإرادتهم وحدها يعلنون رفضهم للنظام الطائفي وللفساد ولحماة الفساد الذي يعانون آثاره، صغارًا وكبارًا، في حياتهم اليومية.
عامل آخر قد ينهي المسألة، وهو اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات في الداخل الإيراني، وإذا أضيف هذا العامل إلى مفاعيل العقوبات الاقتصادية والتطورات التي قد تحدثها انتفاضتا العراق ولبنان، فإن عودة إيران إلى ما وراء حدودها الدولية تصبح احتمالًا واردًا بقوة، ما يمهد السبيل لنهاية حقبة بائسة من حياة الإيرانيين، كما بالنسبة إلى حياة شعوب البلدان التي تغلغلوا فيها.
وفق ما تقدم من رؤى للأحداث والأوضاع، يمكننا القول إن المشروع الإيراني بالهيمنة على المنطقة، هو مشروع بدأ بالتشظي التدريجي، وتشظيه لا يكمن في بلدان النفوذ فحسب، بل يتعداه إلى تشظي الحاضنة الإيرانية، التي اكتشفت أنها كانت مجرد حطب لنار أفكار الخمينية السياسية، بتصدير الثورة، وإقامة الإمبراطورية الفارسية الجديدة.
ما أن لفظ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، آخر حروف بيانه الصحافي عن توقف واشنطن عن وصف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية باللاشرعية، حتى تصدر الفرزدق الفلسطيني شاشات الفضائيات، شاهراً لسانه زاعماً، لا عازماً. لم يعد عدّاد أيامنا قادرا على إحصاء المرات التي نفخ فيه الفرزدق الفلسطيني عنترياته واعداً بالويل ومتوعداً بالثبور
السؤال الأول كان حول ما إذا كان ثمّة صلة بين توقيت نشر الكتاب وما يجري حولنا الآن من محاولات لإعادة تأهيل بشار الأسد ليظلّ على رأس النظام في المرحلة المقبلة، من خلال فرض حلّ سياسي وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات ستكون نتيجتها على الأرجح فوز الدكتاتور من جديد، بسبب الخوف والقمع وتشتّت السوريين في كلّ أصقاع الأرض.
دفع الأسد بأعداد هائلة من السوريين إلى الموت، بحجة الحرب على الإرهاب، وفي ذهنه فكرة شيطانية هي إقلال السوريين إلى أدنى مستوى ممكن، ليكون باستطاعة من تبقى من طائفة سلطته حكمهم، إن سمح له الذين أنقذوه بالبقاء في موقعه، بعد أن سئموا تبجحه بانتصار لا علاقة له به، بقي طيلة أعوام متفرجا على الإيرانيين والروس وهم يقاتلون السوريين من أجله، بينما يسمع هو أخباره من بعيد،