و البستاني يشير هنا إلى أن لقب " الطاغية " مصطلح سياسي يطلق على الحاكم المتعسف على الرغم من أنه لغويا قد يطلق على الأفراد أيضا و سوف نرى أفلاطون فيما بعد يوسع معنى اللفظ ليطلق على الحاكم و على الفرد في آن معا. و يشكو البستاني من أن الناس .كن أن تتقبل »الطغيان « بغير شكوى أو تذمر و هي الصفة التي سوف يلصقها أرسطو بالشرقي و يرى أنهم يحملون طبيعة العبيد و لهذا السبب لا يتذمرون من حكم الطاغية ".
ولقد جاء في (سفر التكوين) وهو أحد الأجزاء الأساس في (العهد القديم) تأكيداً لهذه النظرة : (وسمعا "آدم وحواء" صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فأختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟. فقال سمعتُ صوتك في الجنة فخشيتُ لأني عريان فاختبأت. فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الإله للمرأة ما هذا الذي فعلت. فقالت المرأة: الحية غرَّتني فأكلت. فقال الرب الإله للحية:
أتي الآن إلى الشخصية الهامة الخامسة في قصص الآباء، وهي شخصية يوسف التي شغلت في سفر التكوين حيزاً يزيد عن الحيز الذي شغلته أي قصة أخرى. ولعل أسبقية يوسف على إخوته في الشكل الذي وصلنا لسفر التكوين، يُعزى إلى علو شأن الجماعات الشمالية على الجماعات الجنوبية في أواخر القرن العاشر قبل الميلاد، عندما كانت الشروط الديمغرافية والاقتصادية مؤاتية لتشكيل الدولة في منطقة إسرائيل، بينما كانت منطقة يهوذا على الحالة التي وصفناها آنفاً
من هنا تساؤلنا حول طبيعة العقل المحمدي الذي هضم وأعاد خلق تلك الأساطير الوثنية. هذا العقل الذي لا يجد أي تناقض بين قول "لا إله إلا الله" وبين أية ممارسة وثنية أخرى. لقد مات محمد وهو لا يستطيع أن يؤدي طقوس الصلاة أو أن يتوجه إلى الآلهة إلا بالتوجه أولاً إلى واسطة حجرية هي أحجار الكعبة، وأن يقبل أحجارها وحجرها الأسود.. هذا هو العقل الذي سنبحث به، من داخل بنيته. ذلك هو مبرر اختيارنا لعنوان: "العقل المحمدي" منظوراً إليه من خلال نسقه السوسيولوجي أي البدوي الذي أفرزه.
نالك اعترافان مهمان يدلي بهما محرر سفر التكوين في هذه القصة. الاعتراف الأول هو أن اليهود قد تسلسلوا من امرأتين كنعانيتين، الأولى هي زوجته التي أنجب منها الجيل الأول من أولاده الذين لم يبقَ منهم سوى شيلة، والثانية هي زوجة ابنه تامار التي أنجب منها الجيل الثاني من أولاده. وهذه الواقعة يتجاهلها يهوه عندما أمر العبرانيين بعدم التزواج مع الكنعانيين والعمل على إبادتهم. أما الاعتراف الثاني فيتعلق بالنسب غير الشرعي لليهود باعتبارهم أبناء لزنى يهوذا بتامار. وهذه الواقعة
ممكنٌ عندَ تفكيكِ النّموذج أن تولدَ الأسئلةُ الوجوديّة الحقيقية، أن يقوم العقل بإنجاز حداثاته المتولّدة بعضها من بعض، متنبّهاً إلى ضرورة عدمِ الوقوع في فخّ ما تحرَّرَ منه. أي لا يجوز أنْ تصبحَ الحداثةُ هي الأخرى نموذجاً يحلّ مكان نموذج، لأن ذلك تقزيمٌ لطبيعةِ إنجاز الحداثة وتحويل لها إلى فعلٍ كيديّ، والتّاريخ لا يُبنى بكيديّاتٍ وأهواءَ انتقاميّة. ثم إن طبيعة مفهوم الحداثة في معناها الجوهريّ، قائمةٌ على النّقد المستمرّ لنفسها وهدم مفهوماتها وإعادة بنائها بما يتوافق ويتناغم مع سيرورة الزّمن والبشر، ولا يوجد حداثة في العالم
إن أرقى ما أنتجه الخطاب الديني الآن يمر في الحقيقة بأزمتين: أزمة منهج على صعيد الدراسات الإسلامية، وأزمة وجود على صعيد الاحتكاك بالغرب وما يفرضه هذا الغرب من تحديات ومساءلات تاريخية، يجد العقل الإسلامي فيها نفسه دائماً مهزوماً، ليلجأ بالتالي إلى مقايسات غير منضبطة في استخدام مقولات ما بعد الحداثة وانتزاعها من تاريخ تكونها المفهومي. إنه في الواقع عقل انهزامي، دائماً يبدو خائفاً من النقد، لكن دائماً أيضاً يبدو أنه قادر على التلون بألوان على صعيد السطح فقط. وهذا هو سر من أسرار بقائه
ندما رأى أولاد لابان تنامي ثروة يعقوب أوغروا صدر أبيهم عليه وقالوا: أخذ يعقوب كل ما كان لأبينا، ومما لأبينا صنع كل هذا. فتغير وجه لابان نحو يعقوب. فقال الرب ليعقوب: ارجع إلى أرض آبائك وإلى عشيرتك فأكون معك. فأخذ يعقوب امرأتيه وأولاده وجميع مقتنياته وانصرف إلى أرض أبيه، بينما كان لابان غائباً يجز غنمه في مكان آخر. وعندما كانت راحيل تجمع أمتعتها أخذت أصنام أبيها معها وخبأتها في متاعها. ولما عاد لابان واكتشف رحيل يعقوب واختفاء أصنامه، تعقبه ومعه إخوته مسيرة سبعة أيام حتى أدركه
في الإصحاح الذي يلي ذلك مباشرة ينسى محرر سفر التكوين أن إسحاق ورفقة قد أنجبا ابنين صارا في سن الشباب، لأننا نجدهما يرتحلان معاً بلا أولاد وبلا روابط عائلية. فقد صار جوع في الأرض أشد وطأة من الجوع الأول الذي كان في أيام إبراهيم، فتجلى الرب لإسحاق وباركه وجدد معه العهد الذي أعطاه لآبائه، ثم أمره بالتوجه إلى مدينة جرار التي للفلسطينيين.
الملاحظة الأشد بروزاً أن هذا الوعي لدى محمد، كان مفتقداً له في مكة، ولم يظهر إلا في يثرب مدينة السياسة، حينما بدأ بمخالطة يهود يثرب من جهة، وحينما نمى لديه شهوة الحضور الثيوقراطي والسيطرة على مقاليد يثرب. هذا هو السبب لاختفاء كلمة الجاهلية من النصوص المكية. فإذا كانت ثنائية المقدس والمدنس حاضرة بشكل قوي في بنية الوعي الديني بشكل عام، فإنها أيضاً كانت حاضرة داخل سيكولوجيا محمد،