إذا كانت عمليّة تقديم إجاباتٍ حاسمةٍ على أسئلةٍ صعبةٍ هي أهمّ ما ينبغي على العلم أن يقوم به، فإنّ عمليّة إثارة الأسئلة نفسها، وتوجيه النظر إليها، والتنبيه على وجودها، تبدو على رأس المهمّات والأهداف التي يتطلّع الفنّ إلى أدائها...تصفيق حتّى الموت، وإذاً، فلا تعارض بين الفنّ والعلم، فلكلٍّ في الحياة دورٌ، ولكلٍّ أساليبُ ومناهجُ وآليّاتٌ في أداء هذا الدور وتجسيده وكذلك، لا مزيّة لأحدهما على الآخر، وإن كان ثمّة من يميل إلى الاعتقاد بأنّ الإنسان بدأ وجوده فنّاناً لا عالِماً. والفنّانُ القلِقُ المعذّبُ بالأسئلة فيه ما زال يسبقُ العالِمَ الفرِحَ المطمئنَّ إلى الإجابة. أي أنّ ثمّة ريادةً من نوعٍ ما للفنّ في اقتحام ما هو مجهولٌ وغامضٌ ومحيّرٌ
فيما عدا بطرس الذي تمتع في الأناجيل الأربعة وفي أعمال الرسل بشخصية واضحة تساعدنا حتى على رسم ملامح وجهه، فإنّ بقية التلاميذ يبدون كأسماء بلا شخصيات واضحة، فهم أشبه بالكومبارس في مسرحية فخمة، والعديد منهم يختفي بعد ورود اسمه في قائمة الرسل ولا نكاد نعثر له على أثر. وقد قمت بتتبع آثار هؤلاء عبر أحداث الإنجيل، ورصدت الدور الذي لعبه كل منهم في هذه الأحداث، وإليكم النتيجة:
1 – ورد اسمه 25 مرة لدى الإزائيين، وستّ مرات لدى يوحنّا.
2 – أندراوس : فيما عدا رواية دعوة التلاميذ وقائمة الرسل، لا يظهر أندراوس لدى الإزائيين الثلاثة إلا مرّتين وبشكل عابر. في المرّة
خاص ألف
ما من شكّ في أنّ أجواء الإثارة التي رافقت الجدل حول أطراف المعادلة التي يتكوّن منها فعل الإبداع (المؤلّف، والنصّ، والقارئ) قد أغنت في النهاية فهمنا لطبيعة الأدب، وكان لها الفضل في الكشف عن آليّاتٍ مثمرةٍ جديدةٍ في التحليل والسبر والتذوّق.
وما من شكّ أيضاً في أنّ التركيز على مكانة القارئ بالذات في هذه المعادلة قد غيّر ـ وعلى نحوٍ نهائيّ وحاسم ـ لا من تقاليد القراءة وحسب، بل من الكتابة نفسها، وكان لها تأثيرٌ قويّ في ظهور نمطٍ من الكتابة أدنى ما يتّصف به أنّه جديدٌ ومغاير من حيث شكله وطبيعته ولغته وتقنيّاته وأدواته الخاصّة في التعبير.
ولئن كان البعض يتّهم (الحداثة) وما تمخّض عنها، أو واكبها، من
كانت المهمّة الأولى التي اضطلع بها يسوع بعد اعتماده على يد يوحنا المعمدان وسماعه للصوت الإلهيّ، هي دعوته التلاميذ للانضمام إليه. نقرأ في إنجيل مرقس: "وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله… وفيما هو يمشي عند بحر الجليل أبصر سمعان وأندراوس أخاه يلقيان شِباكاً في البحر لأنهما كانا صيادين، فقال لهما يسوع: هلمّ ورائي فأجعلكما تصيران صيّادي الناس. فللوقت تركا شباكهما وتبعاه. ثمّ اجتاز من هناك قليلاً فرأى يعقوب بن زبدى ويوحنّا أخاه وهما في السفينة يصلحان الشباك، فدعاهما للوقت فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأُجراء وذهبا وراءه". (مرقس 1: 14-20). وللوقت شرع يسوع في مهامّه التبشيرية وراح يجول في القرى والبلدات المجاورة ويشفي المرضى والمقعدين ومن بهم مسّ. " ثم خرج إلى البحر فأتاه كلّ الجمع فأخذ يعلّمهم. وفيما هو مجتاز
استحاذَ نشوء الإمبراطوريّات وزوالها من اهتمامات الخاصّة نصيباً جمّاً، والمقصود بالخاصّة جمع العلماء في شتّى الميادين المهتمّة بالظّاهرة الإمبراطوريّة. أمّا العامّة فقد عَظُمَ لديهم التّساؤل عن عوامل نشوئها بعد ما حلّ بالعراق ما نعرف، وفي ذاك عبرتان:
الأولى: أنّ عموم الناس نشأت لديهم لهفةٌ لإدراك ما يحسبونه سرّاً كبيراً جعل من أمريكا قوّةً لا تضاهى، رغبةً منهم في مقارعتها، أي من باب اعرفْ عدوّكَ!
والعبرة الثّانية: أنّ أهمّيّة وخطورة ما يثيره المثقّفون و العلماء لا يُدرَك عند العموم إلا بعد أن يتجلّى لهم، وتظهر آثاره مؤذيةً لحياتهم، آنذاك يضطرّون لمعرفة ما خرّب استقرار أحوالهم بين طيّات ما أهملوه من فِكَرٍ قالها الخاصّة.
سيادة النظرة الأحادية السلطوية يفاجأ المرء عندما يشاهد على الشاشات الفضائية للتلفزة العربية أشخاصا يتكلمون عن البنية الاجتماعية العربية الإسلامية وتحديدها اثنيا وقبليا ومذهبيا أو يقرأ دراسات وكتابات في علم الأديان المقارن مدعية إتباع منهج البحث العلمي صادرة عن الأكاديمين (1) الدارسين في جامعات عربية وإسلامية تدل كلها على أنها ليست أكثر من كتابات تحريضية سلفية تعبر عن وجهات نظر ماضوية تكفيرية جاهلة بالتاريخ أو متجاهلة له وبالموروث الشعبي المعتقدي والأثني منصبة نفسها قاضيا ومشرعا إسلاميا أعلى فوق جميع
كانت أسرة يوسف ومريم تضمّ، إلى جانب يسوع البكر، أربعة إخوة له وأختين. عن هؤلاء الأخوة لا نعرف إلا أقلّ من القليل، فقد أشار إليهم مرقس ومتّى مرّتين بشكل عابر، المرّة الأولى في معرض تعجّب أهل الناصرة عندما سمعوا كلمات الحكمة التي تخرج من فم يسوع فقالوا : "أليس هذا هو النجّار ابن مريم وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان؟ أوَليست أخواته ههنا عندنا؟ " (مرقس 6: 3). وفي الموضع المقابل عند متّى نقرأ : "أليس هذا ابن النجّار؟ أليست أمّه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟ أوَليست أخواته جميعاً عندنا؟" (متّى 13: 55). ويرد ذكر الإخوة عند مرقس ومتّى مرّة ثانية عندما جاءت أمّ يسوع وإخوته يطلبونه وهو يكلّم الجموع : " فجاء حينئذٍ إخوته وأمّه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه. وكان الجمع جالساً حوله فقالوا له : هو ذا أمّك وإخوتك خارجاً يطلبونك.
لقد مات التأويل ونشأت التأويلات"
"إن الإقرار بأن كل فهم يتضمن حكما مسبقا هو إقرار يمنح المشكلة الهرمينوطيقية قوتها الحقيقية"[1]
ما من شك في أن قضية التأويل هي من أعقد المسائل وأكثرها إثارة للجدل عند القدماء والمحدثين على السواء وذلك لارتباطها بمحاور على غاية من الأهمية وتأثيرها في مواضيع حساسة يتداخل فيها الدنيوي بالمقدس والفقه بالسياسة والأخلاق بالعلم والتنظير بالتطبيق وأزمات السلطة بطموحات الرغبة.
ومن البين أن الحديث عن فكرة التأويل وتطور المفهوم والتطرق إلى مناهج البحث
من المشهور عن ديريدا أنّه فيلسوف التفكيك، والتفكيك إن أردنا التبسيط هو الجهد النظريّ الذي يسعى لتكسير فكرة الأصل والإحالة عن طريق تحرير النصوص من مرجعية الذات والقول. هذا الأمر لا يتأتّى في نظره ولا يتيسّر ما لم نتحوّل للنظر إلى النصوص في ذاتها، أي من حيث هي جملة "آثار" يكون النص فيها مرجعية ذاته، وليس القول أو الذات المتكلمة. غير أنّ الغاية الأخيرة من هذا المشروع "القرائي" ليست هي هذه تحديدا، أي قراءة النصوص في ذاتها وحسب، بل هي الكشف عن المسلمات الأخلاقية التي حكمت مصير الفكر والثقافة الغربيين، وهي المسلمات التي لا تفهم عنده إلا في استنادها على جملة مركزيات، أهمها"المركزية العقلية" و"المركزية الصوتية"، وهاتان المركزيتان هما صورة في النهاية عن مركزية ثالثة هي المسماة بـ"القضيبية".
لقد ظهرت الأناجيل الأربعة في وقت موثّق لنا كل التوثيق، ونعرف الكثير عن أحداثه وشخصياته. في ذلك العصر كانت الكتابة التاريخية قد بلغت درجة عالية من النضج، وكان أصحابها يتّبعون مناهج متطورة في التوثيق وتقصي الحقائق. ولكن مؤلفي الأناجيل لم يكونوا مؤرخين بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، ولم يكن بين أيديهم وثائق مكتوبة عن حياة يسوع وما جرى له قبل عقود عديدة مضت، وإنما أخبار متداولة شفاهة تلونت عبر الزمن بالتطورات اللاهوتية ضمن الفكر المسيحي، وبالآراء ووجهات النظر المتخالفة للمجموعات المسيحية، فانتقى كل منهم ما انتقى وأسقط ما أسقط. وهم في اختيارهم للمعلومات لم يكونوا يتوخون الدقة التاريخية وإنما دعم وتقوية الإيمان، وتقديم الإرشاد للمجموعات المسيحية. وهذه العلمية الانتقائية قد ترافقت مع عملية تأويلية من شأنها إعادة صنع الحدث بطريقة خلاقة، لا