ثم إن هذا التصور القومي مزّق الرابطة العربية التي يفترض أن تجمع السوريين بأشباههم في البلدان العربية المجاورة والأبعد. وهذا لأن القومية العربية ليست وعيا ذاتيا بما يجمع سكان بلدان مختلفة من مشتركات، بقدر ما هي حركة سياسية عملت على رد العنوان العربي الجامع إلى حزب سياسي، فجرى على هذا النحو نقل الهوية العربية المفترضة من مساحة الإجماع إلى مساحة الصراع، ما يعني عمليا تحطيم الرابطة العربية.
ومن المضحكات المبكيات في سورية أيضاً، استخدام النظام شوارع الوطن والمناطق التي تقبع تحت سيطرته قسراً أم من خلال بنيتها الاجتماعية، إعلانات عن المصالحة وملصقات تحتوي على نداءات للتبرّع والمشاركة في بناء المدارس والأبنية التي قام بتدميرها بذريعة الإرهاب والإرهابيين والعصابات المسلحة!. وقام كذلك على عقد مؤتمرات وندوات شبابية حزبية وغيرها أطلق عليها عنواوين عدة منها المصالحة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد!
أمضى الرجل سنوات طويلة في وظيفة حكومية، كان يشغلها باعتباره سائقاً في مستشفى عام، قبل بلوغه سنّ التقاعد. اتُّهم خلالها مرّة، بسرقة مواد من مستودعات المؤسسة العامة التي يعمل لديها، ثم بُرِّئ وأُفرجَ عنه بعد حبسٍ دام أشهراً قليلة، على غرار الكثير من قصص الفساد المتصلة بالشأن العام، التي لم يكن الناس ليعرفوا معها كيف يُتّهم أشخاص أحياناً وكيف يبرَّؤون أحياناً أخرى، خلال فترات قياسية. كان الرجل يستعيد في كل مناسبة تجمعه بآخرين،
فبعد الخلاف الذي حصل بين بعض الدول الخليجية وقطر، وسحب السفراء من الأخيرة، ظهرت المملكة العربية السعودية من جديد على الساحة السياسة بقوة، بينما كانت الأضواء في الفترة المنصرمة في إدارة بعض الملفات الخارجية لــ" قطر "! وهذا ما أثار امتعاض تلك الدول وعلى رأسها السعودية، وخاصةً بسبب تدخل قطر في شؤون دول الخليج ودعم الحركات المتشددة الأصولية سياسياً ومالياً داخل الخليج
«أختتم هذه الدراسة، وهي حالات من كتابٍ كنتُ قد أعددته باللغة الكردية حول الشعر الكردي في سوريا، مؤشراً فيه إلى أن مملكة الشعر قد دخلها من ليس أهلاً لها،..، لكنّ جهل بعض هؤلاء بالشعر جعل من مجموعاتهم الشعرية تقاريرَ عن الحالة المعاشية، وعن الجغرافيا والتاريخ، ودروساً في القومية والوطنية،..، ووقفنا ننظر إليهم دون حراك، منتظرين نقّاداً ليدرسوا المشهد الشعري دون أن يتهمه أحدٌ بأنّ هذا الذي ينقد شعره جاسوسٌ للإمبريالية العالمية»(5).
لا عيون تشبه عيونهم المعلقة برغيف خبز اصبح عنوان الحياة ورمز الموت في آن... هي ذات العيون التي قتل شغف الحياة فيها جوعٌ وطاغية، لا صوت يشبه صوتهم... إنهم يدقون على الجدار ويصرخون ... لا نريد أن نموت هكذا دون رغيف الخبز وحبة القمح... دون حلم بالربيع ... ودون وطن.. لن نموت هكذا كما يموت الجياع على بعد كف من خبزنا وحلمنا.. لن نموت في خزان صمتكم سنصرخ بملئ جوعنا نحن جوعى...
فاضطررتُ للسفر إلى الشام كي أستطيع التأكد من الخبر والتعرف على جثة أخي في إحدى المستشفيات الحكومية كما وردت المعلومة. ما راعني ومضّني عندما وصلتُ إلى الجهة المعينة التي نقلت الجثة من تحت أحد الجسور في العاصمة إلى المشفى، معاملة بعض العناصر و صف الضباط للجرحى المتواجدين لديهم قبل نقلهم للطبابة، إذ كانوا يركلون الجريح على رأسه أو يضعون بساطيرهم على وجوههم وعلى جراحهم،ويرافق ذلك السباب والكلمات الشنيعة التي لم ترد بقاموس الشياطين!!...
المفاجأة التي لم تكن مفاجأة بحق، أتت بالاصطفاف التام والأصم مع النظام السوري لمن كانـــــوا يظهرون راديكالية إزاء إسرائيل، على رغم إحالتهم سابقاً الهزيمة العربية إلى أداء الأنظمة المتهافت أو المتواطئ. لم يقلل من حماستهم صـــمتُ النظام السوري عن الاعتداءات الإسرائيلية خلال الـــسنوات الثلاث الأخيرة وتسليمه السلاح الكيماوي بلا أدنى مقاومة، بل ازدادت شراستهم في الدفاع عنه، وهذا أقرب إلى المنطق كلما اتسعت دائرة الخطـــر الداخلية المحيقة بالنظام.
"الصمت القاتل" إذاً، كان المقصود من خاتمة العبارة التي تلمّح ولا تصرّح بضرورة الثورة عليه، وبأهمية التحاق جارة مهد ثورة الحرية والكرامة، بركب الثورة، إضافة طبعاً إلى الاحتجاج الصريح على المجزرة المذكورة. الصمت اللاأخلاقي، المهادن، المتواطئ، القاتل، هو نفسه الذي طالما دعا الثائرون والثائرات في المدائن والبلدات السورية المختلفة، إلى الخروج عليه.
تختلف المآلات باختلاف الواقع بالتأكيد، ولكني لا أعرف مآلاً أكثر مأساوية لشعب يعيش تحت نير الإحتلال من المآل الذي وصلت إليه موناليزا وأمها، فهي تحتقر ذاتها ويحتقرها المحتل حين تتماهى معه ويحتقرها أيضا شعبها ، وما المعاملة المذلة لجيش لحد حين هرب إلى فلسطين المحتلة إلا أكبر دليل على التعالي والاحتقار لمن خان شعبه وقضيته، فتم التعامل معهم كجواسيس ليس أكثر برغم كل ما قدموه من خدمات للاحتلال!