قلنا إن الشاعر من غزة. ورغم أن أجواء غزة واضحة في القصيدة، إلا أن ناصر رباح لا يحاول هنا أن يقول ذلك. حسناً، لكن ماذا بمستطاعه أن يفعل وقد فضحته القصيدة؟ إنه نتاج القصيدة ومنتجها في آن ــ كما سبق أن ألمعنا ــ أنتجها بلغته، وأنتجته بعالمها المهشم الذاوي، المحاصر، المملوء بالشهوات المسروقة، كما يسرق الخيطُ الناعمُ حبةً في مسبحة لاهية.
وأكثر الذين قتلوا تحت التعذيب أو بأحكام عسكرية جائرة أو في السجون من قلة العناية الصحية أو الغذائية، كانوا من الأدباء والمعارضين السياسيين الذين وقفوا وقفةَ حقيقية واجهت النظام وانتقدته في طريقة تعامله مع المواطنين والوطن على مستوى سلب الثروات والمحاصصة السياسية والقمع اليومي والرقابة التي لا تنفك أن تنزاح على نفس المواطن.
مثلا إن الاهتمام بالمكان و الزمان الثابت يرفده اهتمام بالمشاهد و المناظر الطبيعية المنبسطة التي لها دلالة ملحمية مثل قصور و مساجد المماليك بزخارفها التي لا تفنى و الاي تشبه الصلاة و التراتيل ذات النبرة الثابتة و المتكررة. و هذا يفترض وجود شخصيات بسيطة متصلة بالبيئة الحاضنة. لا يؤثر بها توالي العصور و السنوات. إنها أرواح حارسة تعمل من فوق الواقع و تعتبر جزءا لا يتجزأ من عقيدة المكان و رهبته و خشوعه.
إن الشذرات المتناولة في الموضوع، تشير إلى تغيرات تطرأ بحكم الإمبراطوريات خلال مسيرة طويلة وعبر أشواط تاريخية متباعدة؛ على عكس ما حدث في مصر : التي شهدت تقلبات سياسية في ظرف زمني قياسي (مقارنة بشهادة ميكيافيلي). الأمر الذي يثير تساؤلات حول السبب الذي يعود (نظريا) : إما على اعتبار مصر من اقدم المجتمعات السياسية منذ العهود الفرعونية لما قبل الأسر الحاكمة،
لم تنتج الثقافة الرافدينية كتاباً مقدساً من شأنه تنظيم وتنميط الحياة الدينية في المجتمع, وسن قواعد أخلاقية تحكم سلوك الأفراد والجماعات, إلا أنها رسمت من خلال أدبياتها الغزيرة منظومة أخلاقية متكاملة, عبَّرت عما تمتع به إنسان الشرق القديم من حساسية خلقية مرهفة, وتمسكٍ بقيم الحق والخير والجمال. وسبيلنا إلى تلمس هذه المنظومة هو تتبُّعها في نصوص الصلوات ونصوص الحكم والوصايا بشكل خاص, وهذا ما سوف أبْسُطه فيما باختصار لا يغني عن إطالة:
وما هو طريف أن صحائف الأدب الروسي المبكرة تكشف عن معلومة رائعة تقول؛ بأن الشاعر ألكسندر بوشكين، المنفتح على آداب وثقافة الشعوب،اقتبس موالاً عربياً من (مجموعة أشعار شرقية وفرنسية)جمعها، باللغة الفرنسية الكاتب المصري يوسف العجوب***(1795-1832)، مُعاصر بوشكين، وطُبعتْ في باريس عام (1835)، وضمّنه قصيدته (تقليد أغنية عربية) التي نُظمت كاملة من مبنى ومعنى هذا الموال العربي القُح:
«الرابطة السورية للمواطنة» الناشطة بين دمشق وبيروت:
أن نسترد سوريا الجميع... لا «سوريا الأسد»
وأسألُ، ماذا عن الظواهر الثقافية الجديدة، في الفن التشكيلي مثلا؟ ويجيب حسان: من الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون، بمن فيهم بعض الباحثين، أنهم يظنون أن التراث هو
الموروث الثقافي، التراث هو الموروث والمُعاش،
حوّل الأصوات العذبة التي كانت تصدح في ساحات الوطن والكفوف التي كانت ترفع شعارات الحرية والتعايش والتضامن الشعبي، حولها إلى غضبٍ وصراخ ورصاص!؛ لم يترك أحداً قال لا إلا ودمّر له حياته وجعل منه مواطناً تواقاً للانتقام من قاتله ومغتصب عرضه وأرضه..! وهذا حقٌ تكفله التشريعات السماوية والأرضية. وما نتج عن ذلك كان مجرد ردة فعل لفعل جائر ..!
كرر بوتين، رئيس روسيا الحالي مرات كثيرة أنه يبني موقفه من الصراع الدائر في سوريا على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وعدم جواز تقرير مصيرها بأيد أجنبية. وبرر بوتين استخدام بلاده حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن، الخاصة بالقضية السورية، بذريعة رأت فيها مقدمات للتدخل الدولي في سوريا، التي يجب أن تسوي مشكلتها بالحوار بين مواطنيها، دون أي ضغوط خارجية من أي نوع كانت.
نمت العديد من أشجارِ الحنانِ اذاً في وِهَادِ الشِّعر السوداني الجميلة، مودعة خضرةً آسرة ومدىً مورق، نمت زهور خُزامى، ورود، جلِّنار، فلٌّ، وياسمين، كما نمت برتقالات وليمون، سدرٌ وسيسبان، طلح وحنَّاء، والأخيرَة شجرةُ الفرح والأمَّهات، رغم أنها لم تفارق وإلى الآن بيوت الختميَّة القديمة بكسلا حيث عاش كجراي إلا أنَّ كجراي لم يكتبها، في حينِ كتبَ شابو حنانها: